من المؤكد أننا وصلنا إلى مرحلة التشبع ولا أتصور أن القارئ من الممكن أن يتحمل المزيد من الحديث عن هيفاء وهبى و«حلاوة روح»، ولكنْ هناك تفاصيل لا يمكن أن تمر بدون أن نتوقف عندها لما تُحدثه من مشاعر سلبية خاصة وعامة.
فوجئت بأن شاعرنا الكبير عبد الرحمن الأبنودى يدخل على الخط ويعلن تبرُّءَه من طفل هو شخصيا كان يحبه وقدمه للمشاهدين فى برنامج «البيت بيتك» قبل نحو 8 سنوات فى فقرة أدارها محمود سعد، وكان الطفل قد أطلق على نفسه كريم الأبنودى حبًّا فى شاعرنا، وحفظ أشعاره وأدرك وهو لم يتجاوز الخامسة من عمره وقتها، معانى الكلمات، بل وكتب أشعارًا بسيطة على الطريقة الأبنودية، وظل الطفل على علاقة مع أستاذه يراسله ويتواصل معه ويلقى منه على المقابل كل ترحيب، وشارك فى بطولة مسلسل «الرحايا» الذى كتب الأبنودى أشعاره، ولكن فى هوجة الهجوم على الفيلم تبرأ الأبنودى من الطفل كريم خوفًا من أن ينسبه أحد إليه، رغم أن الكل يعلم أن شاعرنا الكبير أنجب فقط ابنتين شابتين رائعتين.
شاعرنا الكبير تصور فى هذا التوقيت الشائك أن الطفل صار عنوانا للرذيلة فأراد أن يبرئ ساحته وعائلته أمام الرأى العام بل هدد بإقامة دعوى قضائية لو لم يمتثل الطفل طواعية ويغير اسم الشهرة، رغم أن هناك آلافًا اسمهم أبنودى ولا ينتمون بصلة قربى بالضرورة إلى شاعرنا الكبير، ورغم ذلك فالمؤكد أن الطفل لو كان بيده الأمر، وربما فى مرحلة عمرية أكبر، سيكتشف أن من صالحه أن يعود إلى اسمه الرسمى، لأن من تمنى أن يرتبط به يجرحه أمام الملايين.
المجلس القومى للأمومة والطفولة الذى انتفض ثائرًا بسبب الطفل كريم واستخدامه فى الأعمال الفنية لن ينتفض هذه المرة رغم قسوة تلك الكلمات على مشاعر الطفل، فلو اعتبرنا أن فيلم «حلاوة روح» خطيئة لا تغتفر، فما الجريمة التى ارتكبها طفل لا يدرك التفاصيل الفنية ولم يكن له يد فى الترشيح للدور وليست لديه ثقافة الاختيار؟
فكيف يهين شاعرنا الكبير أحاسيس طفل لا حول له ولا قوة؟ بل إن كل ذنبه أنه أحب الأبنودى وتمثله وكتب بطريقته وكان هو مثله الأعلى.
ويبقى فى الحقيقة ما هو أشد ضراوة مثل كلمات الملحن عمرو مصطفى ومطالبته بمنع هيفاء وهبى من دخول البلاد، وهو يذكرنى بدعوات مماثلة كنا نسمعها ونسخر منها فى السنوات الأخيرة من حكم مبارك عندما كانوا يطالبون تحت قبة البرلمان بمنع دخول- بالإضافة إلى هيفاء- كلًّا من نانسى عجرم وإليسا ونيكول ورزان وغيرهن، وبنفس المنطق وهو مقاومة الغزو اللبنانى الذى يؤثر على أخلاقنا المصرية، دائما ما تكتشف مع مرور الزمن أن هناك معادلة أخرى، ولكنها تتدثر كالعادة بغطاء أخلاقى، وهو ما يحظى بمساندة ضمنية من الرأى العام، أقصد بالطبع أغلبه، لأننا بالطبع نميل أكثر إلى مثل هذه الآراء والقرارات المتحفظة التى تصرخ فى دفاعها عن الفضيلة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فلقد وصلنا إلى ذروة التشنيع وانتقلنا من مجرد الهجوم على عمل فنى أو فنانة إلى الهجوم بل توجيه إهانة إلى المرأة اللبنانية مثلما فعلت مثلًا آثار الحكيم، وهى تفتح النيران على المرأة اللبنانية التى تراها متسيبة، وهو تعبير مخفف جدًّا لما أوحت به كلماتها فى لقائها بـ«العاشرة مساء» مع وائل الإبراشى، ولم تكتف بهذا القدر بل رسمت صورة للرجل اللبنانى «المطنش» وهو تعبير مهذب جدًّا لحقيقة ما ذكرته آثار، فهو كما تراه لا تعنيه ملابس زوجته مقارنة بالمصرى الشهم، الذى لا يمكن أن يسمح بهذا الانفلات الأخلاقى رغم أن الشارع اللبنانى ترى فيه الحجاب والنقاب، ولكنه لا يمارس الإقصاء لمن ترتدى الميكروجيب.
إنه نوع من التطرف والمزايدة فى نظرة ضيقة جدًّا لمفهوم الأخلاق، يسعى البعض إلى ترسيخها، أراها أشبه بتوابع الزلزال، كل ذلك لأن هناك من يعتقد أن الفرصة مواتية لكى يكسب بنطا لدى الرأى العام، إلا أنهم فى أثناء تحقيق هذا الهدف يجرحون مشاعر طفل ويسيئون إلى المرأة والرجل فى بلد نحمل له كل تقدير واعتزاز، ويصدرون للشارع صورة ذهنية، وكأن كل النساء اللبنانيات «روح» وكل الرجال المصريين «سى السيد»!!