ضد الإعدام..
نعم لم تعد البشرية ترى أنه يمكن استمرار عقوبة الإعدام.
حاولْ أن تفكر بطريقة لا تحكمها «ثقافة كارهى الحياة».
كيف تدافع عن استمرار عقوبة لا يمكن التراجع عنها حتى لو ثبت عدم صحتها أو عدم دقة حيثيات الحكم؟
منذ القرن الثامن عشر والعدالة تتطور، تتخلى عن أفكارها القديمة فى أن العقاب أو العقوبة انتقام أو شفاء للغليل، لتصبح العقوبة «تأديبا وتهذيبا وإصلاحا» وهدفها «أن لا يتكرر ذلك..».
ويمكن قراءة دراسات وأفكار حول تاريخ العقاب فى البشرية وتحليل تكوين المجتمعات.. سنكتشف أن العنف فى العقوبة لم يمنع الجريمة/ كما أن نسبة ارتكاب الجرائم كانت أقل كلما كانت العقوبات إنسانية، وليس العكس.
الإعدام.. ليس عدلا بقدر ما هو استمرار لطقس الانتقام الذى كان يجعل السلطة تُصدِر أحكاما بعقوبة المخالفين لها/ ليسوا بالضرورة ارتكبوا جرائم/ أو كانوا هم المجرمين/ لكن العقوبة كانت حفلة تتم فى ميادين عمومية يشاهد فيها الناس الشاكوش وهو يدق عظام متهم/ أو المسامير وهى تلمع فى كتف متهم آخر/ أو الدم يسيل بعد نزع أظافر متهم ثالث.. وهكذا كانت العين تتعود على العنف والدموية دون أن يتأكد العقل أن هذا الشخص هو مَن ارتكب الجريمة فعلا أو أن ما فعله جريمة بالأساس.
الإعدام كان يتم حسب وصف السلطة التى ترى خصمها خائنًا أو الكنيسة التى تعتبر قراءة كتاب جرمًا يستحق الحرق فى زيت مغلىّ.
كارهو الحياة يروّجون لأن الإعدام عدل/ رغم أنه حينما يقترب منك حبل المشنقة لن يصبح متاحا لك بعدها أن تدافع عن نفسك أو تقدم أدلة على أنك برىء/ أو أن الجريمة التى ارتكبتها لن توصف كجريمة بعد قليل أو كثير من الوقت.
وقبل أيام وصلنى بيان يريد توقيعى حول المطالبة بإلغاء حكم الإعدام..
يقول البيان: «نحن مجموعة من المصريات والمصريين اجتمعنا مؤخرا بعد أن صدمَنا تصاعُد النغمة المستهينة بحق الحياة فى مصر، وتصاعُد وتيرة أحكام الإعدام فى البلاد والترويج لها باعتبارها حلا عمليا لمشكلاتنا، وما يمثله ذلك من تعدٍّ على أقدس وأول حقوق البشر وهو الحق فى الحياة، مما يكرس لاستباحة الأرواح ويغذّى أجواء الترويع وتصعيد العنف والعنف المضاد.
اجتمعت المجموعة مؤخرا فى القاهرة على هدف واحد وهو العمل على «إلغاء عقوبة الإعدام فى مصر» حتى نلحق بركب الدول التى ألغت العقوبة، سواء فى القانون أو الممارسة، بما فى ذلك دول عربية وإسلامية عديدة، والتى بلغت أكثر من ثلثى بلاد العالم، وفقا لمنظمة العفو الدولية.
لقد اجتمعنا وفى أذهاننا سؤال أساسى ملح (من ذا الذى يحق له أن يسلب حياة ليس هو مانحها للإنسان؟). إن القيم والمبادئ العليا لكل الأديان والشرائع والعهود السماوية والأرضية تتفق على أولوية حماية حياة ودم الإنسان، بينما تعمل هذه العقوبة على إهدارهما.
وكان الواقع المرير الذى تمر به البلاد أحد المحفزات المهمة التى حركت ضمائر الموقعين على هذا البيان، خصوصا التدهور الواضح فى منظومة العدالة والقانون فى مصر التى أصبحت معها الأحكام القضائية محل تساؤل فى مدى استنادها إلى أسس العدالة البسيطة وأساليب الإثبات الخالية من التعسف والإجبار.
إن انتشار التعذيب واستفحاله واستخدامه بشكل ممنهج من قبل رجال السلطة فى مصر واستمرار الاعتماد على الاعترافات كوسيلة لإثبات الجرائم فى مصر، رغم تكرار إثبات انتزاعها تحت التعذيب فى كثير من القضايا، يزيد من قلق الموقِّعين على هذا البيان، بشأن عقوبة لا يمكن التراجع عنها بعد تنفيذها، فعقوبة السجن يمكن خفضها وإنهاء حبس أى محتجز بموجبها بعد إثبات براءته وعقوبة الغرامة كذلك، لكن عقوبة الإعدام لا يمكن التراجع عنها بعد تنفيذها، بالإضافة إلى أن إعدام الأبرياء ينطوى على احتمال إفلات الجانى واستمراره فى تهديد المجتمع.
لكل ما ذكرناه يطالب الموقِّعون على هذا البيان السلطات المعنية فى مصر بتعليق تنفيذ كل الأحكام الصادرة بالإعدام، وبالامتناع عن إصدار أى أحكام جديدة بالإعدام، لحين فتح نقاش مجتمعى واسع يسمح للجميع بتبين أبعاد مشكلات هذه العقوبة، كما يطالب الموقعون جميع المهتمين بالشأن العام بالمساهمة فى فتح النقاش حول هذه القضية، من أجل حماية حق المصريين فى الحياة».
البيان انتهى وسأوقع عليه.