تمر اليوم الذكرى السابعة عشرة على رحيل الموسيقار الكبير سيد مكاوي أحد أهم النوابغ التي أنجبها الفن المصري خلال القرن الماضي.
نجح مكاوي في تقديم أعمال خالدة في تاريخ الموسيقى والمسرح يبقى أهمها أوبريت الليلة الكبيرة، وكذلك رباعيات صلاح جاهين.
ولد سيد مكاوي في أسرة شعبية بسيطة في حى الناصرية في السيدة زينب في القاهرة في 8 مايو 1927. كان لكف بصره عاملا أساسيا في اتجاه أسرته إلى دفعه للطريق الديني بتحفيظه القرآن الكريم فكان يقرأ القرآن ويؤذن للصلاة في مسجد أبو طبل ومسجد الحنفي بحي الناصرية.
وما أن تماثل لسن الشباب حتى انطلق ينهل من تراث الإنشاد الديني من خلال متابعته لكبار المقرئين والمنشدين آنذاك كالشيخ إسماعيل سكر والشيخ مصطفى عبد الرحيم وكان يتمتع بذاكرة موسيقية جبارة فما أن يستمع للدور أو الموشح لمرة واحدة فقط سرعان ما ينطبع في ذاكرتة وكانت والدتة تشتري له الاسطوانات القديمة من بائعي الروبابيكيا بالحي بثمن رخيص ليقوم بسماعها إرواءً لتعطشة الدائم لسماع الموسيقى الشرقية.
وتعرف فيما بعد على أول صديقين في تاريخة الفني وهما الشقيقين إسماعيل رأفت ومحمود رأفت وكانا من أبناء الأثرياء ومن هواة الموسيقى وكان أحدهما يعزف على آله القانون والثاني على آلة الكمان.
وكان لديهما في المنزل آلاف الأسطوانات القديمة والحديثة آنذاك من تراث الموسيقى الشرقية لملحنى العصر أمثال داود حسني ومحمد عثمان وعبد الحي حلميٍ والشيخ درويش الحريري وكامل الخلعي وظل سيد مكاوي وصديقيه يسمعون يوميا عشرات الأسطوانات من أدوار وموشحات وطقاطيق ويحفظونها عن ظهر قلب ويقومون بغنائها.
كون سيد مكاوي مع الأخوين رأفت ما يشبه التخت لإحياء حفلات الأصدقاء وكان لحفظ سيد مكاوي لأغاني التراث الشرقي عاملا أساسيا في تكوين شخصيته الفنية واستمد منها مادة خصبة أفادتة في مستقبلة الموسيقي، كما كان لحفظه تراث الانشاد الديني والتواشيح عاملا أساسيا في تفوقه الملحوظ في صياغة الألحان الدينية والقوالب الموسيقية القديمة مثل تلحينه الموشحات التي صاغها من ألحانه.
كان سيد مكاوي في بدايته مهتما أكثر بالغناء ويسعى لأن يكون مطربا وتقدم بالفعل للإذاعة المصرية في بداية الخمسينيات وتم اعتماده كمطرب بالإذاعة وكان يقوم بغناء أغاني تراث الموسيقى الشرقية من أدوار وموشحات على الهواء مباشرة في مواعيد شهرية ثابتة.
ثم تم تكليفة بغناء ألحان خاصة وذلك بعد نجاحه في تقديم ألحان التراث ولعل من مفارقات القدر أن تكون أول أغانية الخاصة والمسجلة بالإذاعة ليست من ألحانة بل من ألحان صديقة المخلص والملحن الناشئ في هذا الوقت الفنان عبدالعظيم عبدالحق والأغنية هي (محمد). الأغنية الثانية كانت للملحن أحمد صدقى وهي أغنية (تونس الخضرا) وهما الأغنيتان الوحيدتان التي غناهما سيد مكاوي من ألحان غيره.
في منتصف الخمسينيات بدأت الإذاعة المصرية في التعامل مع سيد مكاوي كملحنا إلى جانب كونه مطربا وبدأت في إسناد الأغاني الدينية إليه والتي قدم من خلالها للشيخ محمد الفيومي الكثير من الأغاني الدينية مثل (تعالى الله أولاك المعالي) و(آمين آمين) و(يا رفاعي يا رفاعي قتلت كل الافاعي) و(حيارى على باب الغفران) حتى توجها بأسماء الله الحسنى.
كما قدم أغاني شعبية خفيفة مثل (آخر حلاوة مافيش كدة) و(ماتياللا يا مسعدة نروح السيدة). والأغنيتان للشاعر الراحل عبدالله أحمد عبدالله، وكانت بدايته مع الفنان محمد قنديل في أغنية (حدوتة) للشاعر صلاح جاهين رفيق كفاح سيد مكاوي.
وقدم سيد مكاوي بعد ذلك العديد من الألحان للإذاعة من أغاني وطنية وشعبيه، فقدم مثلا محمد عبد المطلب أغنيتي (اتوصى بيا) و(قلت لأبوكي عليكي وقالي) وكذلك أغنية (كل مرة لما أواعدك) والتي غناها سيد مكاوي في الثمانينيات ونالت شهرة واسعة.
كانت بداية الشهرة لسيد مكاوي من خلال لحن لشريفة فاضل وهو (مبروك عليك يا معجباني يا غالي) واللحن الأشهر لمحمد عبد المطلب وهو (اسأل مرة عليّا) والذي دوى في جميع أنحاء مصر وسلط الضوء على ذلك الملحن الناشئ والذي تتجلى عبقريته في شدة بساطته وعمق مصريته والتي استمدها من المدرستين الموسيقتيين التين كان ينتمي إليهما ونهل من علمهما وهما مدرسة سيد درويش التعبيرية ومدرسة زكريا أحمد التطريبية وكان كثيرا ما يغني ألحانهما سواء في جلساته الخاصة أو حفلاته العامة وكان دائم الاعتراف بفضل سيد درويش وزكريا أحمد على الموسيقى وإن كان لم يعاصر الأول ولكن كانت تربطة صداقة بالثاني وهذا نوع من أنواع الوفاء النادر والذي قل في أيامنا هذه.