نحن نتحدث عن واحد من أسوأ الأفلام التى شاهدتها فى السنوات الأخيرة ليس الأسوأ ولكنه ينافس الأفلام الأخرى فى احتلال نفس المكانة، إلا أننى أرى أن الأسوأ هو قرار مصادرة «حلاوة روح» أو إحالة الأمر مرة أخرى إلى الرقابة بما يعنى أن السلطة السياسية العليا ممثلة فى المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء ترى أن هذا الجهاز لا يؤدى دوره فى المنع.عواقب وخيمة وظلال قادمة توحى بأن هناك توجهًا يتدثر بغطاء أخلاقى سوف يسيطر على أوجه الثقافة فى المجتمع، خصوصا أن مثل هذه القرارات تلقى ترحيبًا منقطع النظير عادة من الرأى العام، بل تنظر بعين الريبة والشك لمن يعترض عليها.
ما الذى يعنيه أن يتدخل رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب وينبه الرقابة بإعادة الفيلم مرة أخرى للمشاهدة بعد التصريح به، سوى أن حضرة الناظر يرى خللًا ما فى جهاز الرقابة يصل إلى حدود التسيب ويريدها أن تزداد شراسة فى مواجهة هذه الأفلام، بالطبع كانت المرة الأولى التى يتدخل فيها رئيس وزراء بعد ثورة 23 يوليو فى الشأن الرقابى بطلب المنع والمصادرة.
تعودنا فى الماضى أن رؤساء الجمهورية الثلاثة ناصر والسادات ومبارك يتدخلون من أجل السماح بالعرض عندما يتلمسون تخوفًا ما من الرقباء، فمثلًا ارتباط جمال عبد الناصر بالتصريح بفيلم «شىء من الخوف» لحسين كمال بعد تراجع الرقابة عندما اعتقدوا أن شخصية عتريس التى أداها محمود مرسى هى عبد الناصر وفؤادة التى أدتها شادية هى مصر، وهتاف «جواز عتريس من فؤادة باطل» يعنى أن مصر تحتج على شرعية عبد الناصر. بينما فى «أهل القمة» لعلى بدرخان كان الفيلم ينتقد الانفتاح الاقتصادى وهو واحد من القرارات التى ارتبطت سياسيا بزمن السادات ورغم ذلك وافق على عرض الفيلم.
وتم السماح بـ«السفارة فى العمارة» لعمرو عرفة كما ذكر عادل إمام فى أكثر من تصريح بعد فشله فى الحصول على موافقة حبيب العادلى على تصوير السيناريو لم ينقذه سوى تليفون من مبارك، بالطبع البعض يضع تلك المواقف فى ميزان حسنات الرؤساء السياسية للتدليل على تمتعهم بحس ديمقراطى، ولكنى أراها على العكس تماما، فهى دلالة لا تحتمل الشك على أنهم كانوا يزرعون الخوف فى النفوس فلا يجرؤ مسؤول مهما علا شأنه بالتصريح بالعمل الفنى، لأنه يخشى من غضب رأس النظام فهو الوحيد الذى يملك تحديد درجة «ترمومتر» المسموح والممنوع.
إنها مأساة متكاملة الأركان، وظلام عشناه فى الماضى أما مع قرار رئيس الوزراء فنحن نعيش الظلام الدامس.
أتذكر فى منتصف الثمانينيات أن وزير الثقافة الأسبق عبد الحميد رضوان فى قرار مشابه بعد أن وافقت الرقابة على عرض فيلمَى «درب الهوى» و«خمسة باب» أصدر قراره بمصادرة الفيلمين اللذين كان تجرى أحداثهما فى أجواء مشابهة، ولجأ المنتجان إلى القضاء الإدارى الذى أباح العرض بعد خمس سنوات.
سبق وأن اعترضت الدولة مثلًا على فيلم «مذكرات مراهقة» فى مطلع هذه الألفية وقررت المطربة الراحلة فايدة كامل أن تحيل مجلس الشعب من خلال اللجنة الثقافية التى كانت ترأسها إلى جهاز رقابى وشاهدت الفيلم من منطلق حماية المجتمع أخلاقيا، ولكن ما حدث هو أن اللجنة وافقت على عرضه كاملًا، سبق مثلا أن زكريا عزمى، وما أدراك ما زكريا عزمى فى زمن مبارك، اعترض على أغنية «حب إيه» التى كان يؤديها محمد سعد داخل أحداث فيلم «اللمبى» مؤكدًا أنه بأدائه الساخر للأغنية يخدش قيمة وقامة أم كلثوم، وطالب الرقابة من تحت قبة البرلمان بحذف الأغنية وهو ما رضخت له فى بعض نسخ الفيلم وسط ترحيب شعبى من الأغلبية.
ولم يدرك الكثيرون أن مثل هذه القرارات تحمل فى عمقها عودة لدولة القهر مهما رفعت من شعار الحرية، فهى تلوّح بسلاح المنع، لا أتصور أن الرقابة قبل إصدار قرار محلب هى نفسها الرقابة قبله، الرقيب فى النهاية موظف سوف يسعى جاهدًا للحفاظ على موقعه وأكل عيشه.
الفيلم تضاءلت إيراداته ولم يقبل عليه الناس، بينما قرار المصادرة من الممكن أن يصبح بمثابة قبلة الحياة لهيفاء وهبى!!