عبر السنين تعلمت التمييز بين النقد البنّاء والنقد الهدام، وأن كليهما مشروع طالما يعكس ويحدد وجهة نظر خاصة بالناقد فقط، وتعلمت فى نفس الوقت أن أى دفاع من جهتى لفيلم من أفلامى لن يكون إلا عن الفيلم المقصود ذاته، ولن يكون أبدًا عن أدائى كمخرج للفيلم، فالفيلم أعتبره مسؤوليتى والإخراج مسألة أسلوب خاص بى. بالمثل لا أتصور أديبًا يدافع عن أسلوب كتابته، إلا أنه من الممكن أن يدافع عن مضمون روايته. أثارنى هذا الأسبوع حالتان، الأولى نقد وجدته شخصيا إزاء تعميم انتقاده لوجود ممثل جديد نسبيا على الساحة الفنية، أو تقليل من شأن هذا الممثل بأدائه فى مُجمل أعماله دون تحديد مُفسر أو مُقنع لوجهة نظر الناقد والاعتماد على تذوقه الشخصى، فبالتالى تحولت كتابته إلى تجريح مُطلق ومباشر ضد الممثل، الحالة الثانية مسّتنى شخصيا فى مدونة شاب سينمائى يصف فيلمى الأخير بكلمة «بيـ...» كما يلى:.. من كتر كم «البيـ...»، اللى فى الفيلم ماستحملتش وخرجت فى الاستراحة، كم المدح اللى سمعته عن الفيلم طلع زى مسلسلات التسعينيات «البيــ...».
ردى كان موجزًا كالتالى:
- أحترم رأيك، لكن من غير «بيـ...»، وحياتك.
استمر صاحب المدونة فى الدفاع عن لغته النقدية:
- والله يا ريس أنا من حقى أوصف انطباعى بالشكل اللى أنا شايفه، أعتقد إن دا حق إنسانى ولّا حضرتك شايف غير كده؟
شعورى بأن الجدل سكتة تؤدى إلى حارة سد:
- أنا شايف إنك ماحبتش الفيلم وده من حقك وباحترمه، بس «بــ...»، ده وصف مهين مايصحش المفروض إنك سينمائى تصف به أى فيلم كان، بس لو دى اللغة اللى بتناسبك فأتعشم ماتنعكس على لغة الأفلام اللى حتعملها.. وتمنياتى لك بالتوفيق.
استمر الشاب فى الدفاع عن لغته:
- والله أنا مش شايف إن لفظ «بـ...» فيه حاجة مهينة أو ماتصحش وشخصيا ماعنديش مشكلة مع الألفاظ دى ومش شايف إن فيها حاجة عيب وبعدين دا لفظ شائع وكلنا بنستخدمه فى حياتنا اليومية لما يجيلنا انطباع عن أشياء مملة ودمها تقيل.
أيقنت فورًا أن كلًّا منا فى عالم آخر:
- أنا ماعتقدش الحوار ده واخد سكة بناءة فاعذرنى لإنهائه وشكرًا.
ربما صاحب المدونة ليس بناقد محترف، وصاحب مقال انتقاد الممثل أكثر احترافًا، إلا أنه فى الحالتين الغياب عن الموضوعية والاكتفاء بالانطباع الشخصى يسلكان طريقًا واحدًا لا يفيد أى طرف، سواء المتلقى أو المنتقد نفسه. أما لغة «البــ...»، و«الفشــ...»، فأصبحت من مفردات التعبير بين شباب اليوم فلتبقَ بعيدًا عن لغة النقد.