عرفت دول أوروبا الشرقية التى شهدت فى أواخر الثمانينات تحولا نحو الديمقراطية على غرار بولندا والتشيك والمجر وألمانيا الشرقية، بأنها الأسرع فى إنجاز هذا التحول. فقد سارت هذه الدول وفقا لـ«كتالوج» تم تحديده فى الأغلب من قبل دول الجوار فى أوروبا الغربية. وقد تمثلت هذه الوصفة فى إصلاح مؤسسات الدولة بطريقة تتواءم مع توجه الليبرالية الاقتصادية والنظام الديمقراطى.
والحقيقة هى أن هذه الدول تمتعت ببنية تحتية متميزة وأجهزة إدارية خدمية فاعلة. فلم يشك المواطنون هناك مثلا من سوء التعليم أو الصحة بل بالعكس تمتعوا بقسط مرتفع منها. كما لا يجب أن ننسى أن هذه الدول كانت دولا صناعية تتمتع بقدر من الكفاءة الاقتصادية والإنتاجية. وهى أمور انعكست كلها بالإيجاب على قدرة المجتمع نفسه على إنتاج نخب اجتماعية وسياسية، لديها من الكفاءة والمعرفة ما يمكنها من بناء نظام جديد. وبالتالى كان تحدى هذه النخب هو فقط التركيز على صناعة مؤسسات تسير بطريقة ديمقراطية، وتحترم حقوق الإنسان سواء فى القطاع الأمنى أو القضائى أو الإعلامى.
بالطبع، لا يمكن الحديث عن عملية انتقال ديمقراطى فى أى دولة على الكرة الأرضية بدون التحدث عن عملية الإصلاح المؤسسى. لكن دعونا نؤكد أن إنجازه هو رهن طبيعة هذه المؤسسات من ناحية والسياق المجتمعى الذى تتواجد فيه من ناحية أخرى.
حلمنا فى مصر بتحول سريع مثل هذه الدول لكن للأسف مشكلتنا أشد تعقيدا لأن الأمر يتعلق بنقص الكفاءة وليس فقط بتغيير التوجه السياسى. فنحن نبدأ فعليا من نقطة أكثر تأخرا لسببين: الأول يتعلق ببنية الدولة المصرية الإدارية والخدمية المفتقرة إلى الفاعلية: فمستوى التعليم العام متدن، المستشفيات الحكومية غير آدمية، حتى الكهرباء لم تعد الدولة قادرة على توفيرها لمواطنيها كما نرى! وإذا انتقلنا إلى باقى المؤسسات: القضائية أو الأمنية أو الإعلامية على سبيل المثال، نجد أن عددا لا بأس به من أعضائها يعانون من غياب المهنية. فلم يكتفى نظام مبارك بالسيطرة على مقدرات الدولة والمجتمع- كما فعل مثيله فى أوروبا الشرقية- بل اهتم جدا بتجريف كل شىء. أما السبب الثانى فهو فى كثير من أبعاده انعكاس للأول. فقد أنتجت لنا هذه الوضعية المؤسفة نخبة سياسية واجتماعية لا كفاءة لها ولا معرفة، ليس لبناء نظام جديد كما حلمنا، بل فقط لحماية مصالح الدولة وتسيير شؤونها اليومية.
بالتأكيد، ليست هذه رسالة لبعث روح اليأس فينا بل هى فقط رسالة تبصرة بأن التغيير الذى نحلم به لن يكون سوى نتاج لعملية طويلة ومرهونة أيضا ببلورة قوى المجتمع نفسه لبدائل سياسة واجتماعية.