عندما تضطر الظروف الفنان إلى المشاركة فى عمل فنى متواضع، هل يبدد طاقته فى الدفاع عن الإسفاف أم يعترف بأنه فى النهاية كان هدفه أكل العيش، ومن كان منكم بلا عمل ردىء فنى أو غير فنى فليرمِه بحجر؟
أتفهم دفاع هيفاء وهبى عن بضاعتها ولكن كان الصمت أجدى بمن شاركها فى تسويق البضاعة، بمجرد عرض فيلم «حلاوة روح» تلقى صُناعه الكثير من الانتقادات التى يستحقونها، ولكن فجأة ظهر المخرج سامح عبد العزيز مدافعا شرسا رغم أن اسم المنتج محمد السبكى كمشرف عام على الفيلم يعنى أنه لا يتحمل فقط المسؤولية الإنتاجية ولكنه يشاطر المخرج بنصيب وافر فى ما نضحت به الشاشة من فجاجة سينمائية على الطريقة السبكية.
اختلط الأمر فى هذا الفيلم بين ما هو قبيح وما هو «أبيح»، ورأيى الشخصى أن رغم ما فى الشريط السينمائى من «أباحة» فإن القُبح هو الخطيئة الكُبرى.
فى تاريخ السينما المصرية أفلام لها باع أكبر فى تقديم مشاهد «أبيحة» ولكن «حلاوة روح» تفوّق فى القبح، نفس هذا المخرج قدم من قبل فيلمى «كباريه» و«فرح» وحظى بثناء نقدىّ، ولكنه تخبط بعدها فى أفلام مثل «صرخة نملة» الذى أراد فيه أن يرقص على إيقاع ثورة 25 يناير مهاجما فساد مبارك، رغم أن الفيلم كان مصنوعا فى نهاية زمن مبارك لنفاق مبارك، وجاءت الثورة قبل عرض الفيلم فتغير كل شىء فى المونتاج.
الفنان الحقيقى -أكرر، الحقيقى- لا يدافع عن باطل، أتذكر أننى سألت يوما المخرج الكبير الراحل هنرى بركات: لماذا تُخرج أفلاما متواضعة لا تتناسب مع تاريخك كصانع لأفلام عظيمة مثل «دعاء الكروان» و«فى بيتنا رجل» و«الباب المفتوح» و«الحرام» وغيرها من العلامات السينمائية، إذ كان فى سنواته الأخيرة يقدم أفلاما دون المستوى مثل «نوارة والوحش» و«أرملة رجل حى» و«لعنة الأشرار» و«العسكرى شبراوى»، مع ملاحظة أن هذه الأفلام تعتبر تحفًا فنية لو قارنّاها بـ«حلاوة روح»؟ فقال لى بركات: أنا أنفّذ وصية الشاعر والكاتب الكبير بديع خيرى عندما وجدنى أعتذر عن العديد من الأفلام لأنها لا تحقق طموحى، فنصحنى قائلا «يا هنرى أنت فنان نعم ولكنك أيضا حرفىّ صاحب مهنة.. إذا وجدت سيناريو عظيما مثل (دعاء الكروان) ارتدِ (الاسموكن) واذهب إلى الاستوديو وإذا لم تجد سوى (العسكرى شبراوى) فارتدِ (العفريتة) واذهب إلى الاستوديو»، وأنقذتنى نصيحة بديع من أن أقعد فى البيت أعدّ النجوم وأنتظر أن تنقذنى السماء بسيناريو «بديع»!
هل صحيح أن نجومنا ينفّذون تلك الحكمة التى تعنى أن يتماشى الفنان بقدر من المرونة مع ما هو متاح أمامه ويحاول بقدر المستطاع الاجتهاد، وفى نفس الوقت يظل فى أعماقه ينتظر أن يأتى له العمل الفنى الذى يُرضِى غروره؟ أتصور أن أغلب فنانينا لا ينتظرون سوى الأجر وهم مستعدون لتكرار نفس الأخطاء بل يُمعنون فيها أكثر وأكثر ما دامت ازدادت أرقام عقودهم أكثر فأكثر.. دستورهم الوحيد «أبّجنى تجدنى»!!
الدفاع عن الأجر هو الذى يحيل نجومنا إلى قنابل موقوتة تدمر من يقترب منها، فجأة تكتشف أن لهم مخالب وأنياب تجرح وتقتل، لأن الأمر يتحول إلى صفقة بالملايين ويعتقدون خطأً أن كلمات النقاد سوف تمنع عنهم الزاد والزواد!
متى يلبس الفنان العفريتة؟ لا يوجد فنان لم يرتدِ العفريتة يوما ما مهما بلغ التزامه وموهبته، هناك دائما ظرف قاهر.. مثلا قال لى المخرج الكبير سعيد مرزوق إنه كان فى مطلع التسعينيات فى احتياج إلى النقود بعد أن دخلت أمه المستشفى للعلاج إثر إصابتها بفشل كلوى والمطلوب أن يدفع بضعة آلاف من الجنيهات كل أسبوع ولهذا وافق على أن يُخرج فيلما اسمه «الدكتورة منال ترقص»، قلت له: هو أردأ فيلم فى تاريخك، فأجابنى: هذه مجاملة منك.. إنه أردأ فيلم فى تاريخ السينما كلها. قال هذا الرأى بالطبع سعيد مرزوق قبل أن يرى «حلاوة روح».
قدمت هيفاء وهبى فيلما قبيحا أكثر من كونه «أبيحا» ولكن هناك من يحلو له الدفاع بسذاجة منقطعة النظير عن الأبيح والقبيح!