لن يعترف أحد بأن هناك قائمة سوداء يتم تناقلها فى إعلام الدولة الرسمى وتمتد بين الحين والآخر إلى القطاع الخاص. مؤخرا تم منع هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، من الظهور عبر التليفزيون الرسمى، خوفا من أن تنفلت كلمة من رجل مسؤول كبير فى الدولة تفضح فسادا متوغلا فى النظام، نفى رئيس التليفزيون الواقعة رغم أنها موثَّقة على الهواء.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فأمس كان رئيس اتحاد الإذاعة التليفزيون يؤكد فى تصريح لـ«المصرى اليوم» للزميل محمد طه، أن هناك مؤامرة وتربُّص تمنع وصول الإعلانات إلى برامج ماسبيرو ويدلل على ذلك بأنه قد أحضر لهم نجمهم المحبوب مدحت شلبى فى برنامج رياضى ومعه على الميمنة حسن شحاتة وعلى الميسرة فاروق جعفر، وبَخِل المعلنون بأموالهم ووجهوها إلى القنوات الخاصة.
لم يحاول رئيس الاتحاد مواجهة الفشل بالاعتراف بأن هناك خطأ ما فى تلك المنظومة، هل هذا ما ينتظره الناس من تليفزيون الدولة، أن يأخذ بقايا القنوات الفضائية ويكرر ما تُقدمه معتقدا أنه سيحقق نفس النتائج؟
قدم التليفزيون الرسمى قبل شهرين برنامج توك شو «على اسم مصر» لم يحقق كثافة إعلانية، هل هى مؤامرة؟الحقيقة أنه أطلق برنامجا بلا جاذبية من خلال كاتب سياسى مرموق مأمون فندى، ومذيع مخضرم من إذاعة «بى بى سى» حسام السكرى، ومذيعة من أبنائه قصواء الخلالى، لكن هل أجرى التليفزيون اختبارا مبدئيا لمعرفة ما الذى تفعله هذه التركيبة الثلاثية؟ عدد كبير من مقدمى البرامج الناجحين والمحللين السياسيين فشلت برامجهم، الصحفى الناجح ليس هو بالضرورة المذيع الناجح، بديهيات معروفة لأى متخصص أو غير متخصص فى دُنيا الإعلام.
برامج ماسبيرو مثلا لا تمنح الضيوف مقابلا ماديا بينما الفضائيات المنافسة ترصد لهم أموالا، وعندما يعيش الوطن حادثا مهمًّا فإن هناك أسماء محددة تصبح هى الأهم للظهور، وهم بالطبع يفضلون مَن يدفع.
برنامج «البيت بيتك» لم يكن يدفع مقابلا للضيوف ولكنه ظهر فى زمن كانت الدولة فيه لها أنياب تخيف بها أى مسؤول أو فنان يرفض الحضور المجانى، أتذكر أن أحمد السقا خذل مرة معدِّى البرنامج ولم يأت للهواء، فصدرت على الفور تعليمات سرية بمنع الإشارة إليه فى البرامج أو عرض أفلامه على قنوات الدولة، وعلى الفور سارع بطلب السماح ووقف على باب «البيت بيتك» منتظرا إشارة.
لا توجد مؤامرة كما يعتقد رئيس الاتحاد، ولكن المعلِن لا يعنيه سوى أن يشاهد سلعتَه الملايين. هناك أرقام يتم تداوُلها عن كثافة المشاهدة تؤكد أن المركز الأخير محجوز دائما وبلا منافس للتليفزيون الرسمى، وهكذا تتباين أجور مقدمى برامج «التوك شو» من محطة إلى أخرى تبعا لتلك الكثافة، ولا تنسَ أن اسم القناة يلعب دورا، ومدى مصداقيتها لدى الجمهور، فهى منظومة متكاملة.
تليفزيون الدولة كان نصيبه قبل الثورة ثلثى الإعلانات، أما الآن فقد كل شىء فصار طاردا للإعلانات، قبل أقل من أربع سنوات كنا نتابع الصراع الشرس فى رمضان لعرض المسلسلات فى تليفزيون الدولة، وكان وزير الإعلام الأسبق أنس الفقى يشكل لجنة برئاسة د.فوزى فهمى لاختيار الأفضل، بينما النجم الذى يتم استبعاد مسلسله لا يستسلم، ويحاول بشتى الطرق الحصول على مساحة فى تليفزيون الدولة وكثيرا ما كانوا يطاردون الوزير حتى بيته، الآن تكتشف أن الأعمال الدرامية التى تنتجها الدولة يسعى أبطالها ومخرجوها للحصول على فرصة لعرضها خارج ماسبيرو بعد أن صار مقبرة لأى برنامج أو مسلسل، الفساد الذى يعشش فى جنباته أصبح يشكل حاجزا بينه وبين الناس، نعم قبل الثورة كانت هناك دولة تدافع عن إعلامها الرسمى مهما كان فاسدا، تعتبره خط دفاع تحاول أن لا يخترقه أحد، الآن لا توجد دولة، كما أن القطاع الخاص صار هو الأكثر تعبيرا عن الرسالة الرسمية للنظام، فهو يجيد تسويقها بالقياس إلى تليفزيون الدولة، وهكذا تغيّرت أصول اللعبة ولكن لم يتغير تليفزيون الدولة، فهو مثل الدب عندما أراد أن ينشّ الذباب فوق وجه صاحبه فقتله، فهو يمنع رئيس «الجهاز المركزى» من الحديث عبر موجاته معتقدا أنه يحمى الدولة، فيقتل الدولة.