أُقيلَ أو استقال اللواء محمود خليفة محافظ الوادى الجديد لأنه حرَّر توكيلًا للسيسى، تدخلت الحكومة بقوة للحفاظ على الحيادية، وصفَّقَت حملة حمدين للأكشن، والحقيقة أن حركة الإقالة كانت أشبه بشغل الحلاقين الذين يُفرِطون فى الاهتمام بتضبيط سوالف الزبون ليخرج سعيدًا على الرغم من الحُفَر العميقة التى خلَّفَها الحلاق فى رأسه، أو هى رسالة ضمنية لبقية المسؤولين أنه «خدوا بالكم وانتو بتعملوا كده».
لم يقُل أحد لسيادة اللواء إن الأمور تغيرت، فقد سبق له، حسب تقرير صحيفة «الوفد»، قيادة مظاهرة مع مدير الأمن بميدان البساتين بالخارجة تأييدًا لثورة 30 يونيو وهتف ضد مرسى. لقى هذا الشعور الوطنى ترحيبًا فظلّ سيادة المحافظ فى موقعه بعدها، ولكن كما يقول المثل: «شكروا القط راح طرطرش على الدقيق».
أغلب الظن أن عقاب اللواء لم يكُن على التوكيل، ولكن على التصوير، غلطة سيادة اللواء أنه فعل ذلك بـ«حسن نية - سذاجة - عارف اللى فيها» أمام كاميرا، فكان العقاب على أنه جعل الحكومة فى حرج وهى التى تستميت فى إقناع العالم بالنزاهة والحيادية، فى مقابل آلاف الجهات والأشخاص الذين قاموا بما قام به سيادة اللواء لكن سرًّا وبخباثة أكبر وبرعاية حكومية أيضًا.
عندك مثلا القصة التى يرويها الكاتب الأستاذ سعيد الشحات فى مقاله بـ«اليوم السابع» عن تجربة شخصية يقول فيها: «فى يوم الأحد الماضى ذهبت إلى مكتب الشهر العقارى بمدينة طوخ، محافظة القليوبية، وهى مسقط رأسى ومحلّ إقامتى، كانت الساعة العاشرة صباحًا، والمكتب مزدحم على آخره، بسبب قافلة بشرية من الإدارة الزراعية فى طوخ تشمل كل الموظفين فيها لتحرير توكيلات للسيسى.
كان موظفو الشهر العقارى بطوخ يديرون عملهم بكفاءة وحيادية، وتلك كلمة حقّ واجبة لهم وعنهم، وكان موظفو الإدارة الزراعية يسلِّمون بطاقاتهم الشخصية لتحرير التوكيل، وكلما حرَّر أحدهم توكيله يسلِّمه لموظف من الإدارة، كان يقوم بدور المسؤول عن جمعها وتوجيهها إلى الجهة التى يعرفها، وكان معه على التليفون شخص يعطيه (التمام)، ولأننى من المنطقة وأعرف أهلها، مال عَلَىّ موظف منهم قائلاً: (معلهش، إحنا موظفين وهى دى الأوامر)». انتهت القصة.
الجميع يعرفون أن دعم السيسى صار مهمة قومية عند الدولة العميقة فى كل مكان، والدولة العميقة ليست هى سيادة المحافظ، ولكن صغار القيادات والموظفين الذين لا يظهرون أمام الكاميرات أبدًا، والإقالة كانت «حركة بلدى» الصراحة، والحركة الأكثر «بلدنة» هى إشادة حملة صباحى بقرار «الإقالة - قبول الاستقالة»، وهم الذين كانوا -ولا يزالون- يَشكُون فى كل مناسبةٍ تعنُّتَ موظفى الشهر العقارى عند عمل التوكيلات. حملة حمدين هلَّلَت للقرار دون أن تفهم أن كبش الفداء هذا سيفدى كلَّ من يقوم طول الوقت بأمور مماثلة فى طول البلاد وعرضها، وسيتم رفع قرار الإقالة فى وجه كل من ينسى نفسه ويلمِّح إلى عدم الحيادية مثلما كان عادل إمام يرفع إصبعه فى وجه الناس فى «الواد محروس بتاع الوزير».
اللواء محمود خليفة لم يخطئ بتحرير توكيل كتابى للسيسى مقارنة بعشرات المسؤولين الأكبر والأكثر أهمية الذى يحررون توكيلات مماثلة كل اليوم لكنها شفاهية ومن تحت لتحت، لكن كان لا بد من عقاب اللواء عملًا بالقاعدة الشهيرة «مافيش فراخ.. بس إيه رأيك فى النظام؟».