لا شك أن بعض قيادات المؤسسات الرسمية، تجاوزت عمرها الافتراضى بكثير؛ ترهل، وعجز، وعدم كفاءة وفقدان القدرة على تنفيذ ما هو مطلوب.. كما أن طريقة التفكير وأسلوب الأداء الذى عفا عليهما الزمن مازالا يتحكمان فى مؤسساتنا.. نحن كما لو كنا نريد الوصول إلى سطح القمر بعربة كارو.. هذه ليست دعوة للتيئيس، لكنها دعوة لتشخيص العلل والداءات التى تلبست أذهاننا وعقولنا وأجسادنا، لابد من مواجهة أنفسنا بالواقع الأليم حتى نستطيع أن نخطو ولو خطوة واحدة، لكن فى الاتجاه الصحيح نحو العلاج.. أزعم أنه تنقصنا شجاعة المواجهة والمصارحة وإلقاء الضوء على عيوبنا ومفاسدنا، «ورحم الله امرءا أهدى إلىّ عيوبى»، و«يا بخت من بكانى وبكى على، ولا ضحكنى وضحك الناس على»..
إذا كان مبارك قد ترك لنا فسادا لايزال ساريا، وعقولا خربة صارت اليوم أكثر خرابا، وأن هناك من يحن للماضى، بكل ما فيه من قبح ودمامة، فهذا معناه أن الطريق أمامنا مازال طويلا وشاقا..
لا داعى لأن نصور جماعة الإخوان على أنها أخطبوط رهيب، يمد أذرعه إلى كل مكان.. للأسف، يحلو للبعض أن يعلق فشل هذه الوزارة أو تلك على شماعة الأخطبوط المزعوم والمتوهم للإخوان.. لا نريد تهوينا ولا تهويلا.. نريد وضع الأمر فى نصابه الصحيح.. نعم لايزال الإخوان موجودين، ولهم تنظيمهم، وأنهم مدعومون من قوى كبرى.. لكن يجب ألا ننسى أنهم تلقوا ضربات موجعة أضعفت من قدراتهم وإمكاناتهم وطاقاتهم.. هم اليوم أضعف من الأمس، وسوف يكونون غدا وبعد غد أضعف كثيرا من اليوم، وهكذا.. التظاهرات التى تحدث اليوم، ومحاولات إثارة الفوضى، سواء فى الشارع أو داخل الجامعات، أصبحت محدودة الأثر، وسوف تنتهى إن عاجلا أو آجلا.. يقال إنهم قلبوا علينا الدنيا فى الخارج من خلال «التنظيم الدولى»، لكن لنعلم جيدا أنه فى اليوم الذى تقوم فيه الخارجية المصرية وهيئة الاستعلامات بواجبهما المطلوب، سوف تذهب جهود هذا التنظيم سدى.
يا سادة.. لو كان الإخوان كما تروجون، ما كانوا ليفشلوا هذا الفشل الذريع فى حكم مصر.. ولتبرير فشلهم وعجزهم، زعموا أنها كانت مؤامرة أطاحت بهم، أقول: لقد كانوا على قمة هرم السلطة، والوزارة فى قبضة أيديهم، والإدارات المحلية معهم، وتقارير الأجهزة الأمنية تصلهم، فكيف غم الأمر عليهم، وكيف تم الضحك عليهم وخداعهم؟! وإذا كان ذلك كذلك، فهم كانوا غير مؤهلين ابتداء لتولى تلك المسؤولية الكبرى.. وعندما يقولون: إن المؤسسات لم تكن معهم، أقول: إن كانوا قد عجزوا عن استمالتها إلى جانبهم، ولم يكونوا مقنعين لها، أو غير قادرين على التعامل معها، فهذا هو الفشل بعينه.. فى رأيى ورأى الكثيرين أن الإخوان فشلة، وأنهم ليسوا بهذه القدرة الهائلة التى يتصورها المنهزمون.. وإذا كانوا قد نجحوا فى شىء، فهو إيهام البعض بأنهم عباقرة.
يقال إن لدينا برامج هائلة وعظيمة، ليس فقط للخروج من الأزمة الاقتصادية أو علاج المنظومة الاقتصادية المشوهة، لكن للنهوض بمصر فى شتى المجالات، غير أن هذه البرامج حبيسة الأدراج، أو تقف فى مواجهتها بيروقراطية عتيدة قاتلة لأى فرصة للتقدم، أو ينقصها دفعة بسيطة لكى توضع على القضبان، حتى تنطلق، فنحن أساتذة فى «تبويظ الطبخة علشان بنكلة ملح»..
لذا، فإن القضية برمتها فى أمس الحاجة إلى إرادة سياسية، فهل يمتلك الرئيس القادم هذه الإرادة؟ نرجو ذلك.