خفتت قليلًا مظاهرات الاحتجاج التى تحاصر المسؤولين فى ماسبيرو مع اقتراب بداية كل شهر، بسبب عدم توفر السيولة المادية لدفع المرتبات، قبل أسبوع تقرر إغلاق بعض أوجه الصرف التى كانت تتبدد فيها أموال المبنى فى ما لا طائل من ورائه، خصوصا الإنتاج الدرامى الذى تحول إلى سبوبة، الكل ينهل منها، وهو يردد فى نفس اللحظة «بحبك يا مصر يا مصر بحبك» ثم يكبش بعدها ما يستطيع من مال الدولة، وهكذا قرر رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون إغلاق أكثر من وحدة إنتاجية تابعة للدولة، وحتى إشعار آخر مثل «قطاع الإنتاج» و«صوت القاهرة» وهو بالمناسبة قرار خاطئ بالثلث لو حسبتها نظريا، ولكن على أرض الواقع هو القرار الصحيح، والذى يمكن من خلاله مواجهة هذا الفساد الذى عشش فى جنبات ماسبيرو. إنتاج الدولة يواجه بأبشع الأمراض وهو السرقة، النهب من مال الدولة الذى صار متاحًا لمن يعرف كلمة السر ويجيد التعامل مع كبار المسؤولين من أصحاب القرار، وهكذا طوال السنوات الأخيرة والتليفزيون المصرى ينتج مسلسلات بلا مردود مادى أو أدبى، حيث تتعدد الأبواب الخلفية التى يتسلل إليها كل من صار غير مطلوب فى القطاع الخاص ليبحث عن عمل فى دراما القطاع العام. فى الماضى كانت علامة الجودة مرتبطة بنسبة كبيرة بما يقدمه المبنى من أعمال درامية، لأن هناك دائما عيونًا تتابع وترصد، صحيح كانت تتسلل بعض المسلسلات الرديئة، ولكنها هى الاستثناء. استوديوهات الدولة كانت فى الماضى هى منصات لإطلاق أهم المسلسلات، ومع الزمن تحولت إلى جسد مشلول يزيد من الأحمال الثقيلة على جسد الإعلام الرسمى، وبدلا من أن تغير الدولة من طبيعة الإنتاج وتسأل مثل أى منتج عن التسويق قبل أن تشرع فى الإنتاج وجدنا ماسبيرو يبدد أمواله فى أعمال فنية متواضعة وبنجوم لا يملكون أى جاذبية لدى الجمهور. من المنتظر أن يكتفى التليفزيون بعرض مسلسلات إنتاج القطاع الخاص على قنواته الأرضية فى رمضان القادم، فهو الوحيد الذى يمتلك حتى الآن البث الأرضى ولا أحد يشاطره فى تلك المساحة الخاصة، وأغلب الظن أنه لن يدفع شيئا لشركات الإنتاج، ولكنه ربما يمنح لها- عن طريق المقايضة- نسبةً من الإعلانات المحتملة، ليغلق الباب أمام هؤلاء الذين استحلّوا مال الدولة رغم أنها تعمل بنظام «النوتة»، أى أنها لا تدفع مباشرة، وينتظر المتعامل معها حين ميسرة والكل ارتضى بذلك، وعلى هذا أصبح كل من لديه مشروع إنتاجى فاشل يرفضه القطاع الخاص توجه لصوت القاهرة أو لقطاع الإنتاج، من يريد مثلًا أن يقدم عملًا فنيًّا لصديقه الذى لم يعد مطلوبًا فلن يجد أمامه عائقًا، ومن تنكد عليه زوجته عيشته لأنها لم يعد لها مكان على الخريطة يجد الملاذ والحضن الدافئ فى إنتاج الدولة. الكل يتعامل معه باعتباره مالًا سائبًا يعلِّم السرقة، فما بالكم بأن مَن يتعاملون معه محترفو سرقة بالإكراه، الدولة لديها قطاع اقتصادى، المطلوب منه أن يحدد الأسماء التى لها قدرة على التسويق قبل التعاقد، ولكنْ عمليا هناك مجموعة من النجوم والنجمات منزوعى الجماهيرية هم الذين يستأثرون بالبطولة فى إنتاج الدولة، ولا أحد يسأل أو يحاسب. استنزاف الأموال فى تلك المسلسلات هو القاعدة، والغريب أن صناعها يملؤون الدنيا الآن ضجيجًا، مطالبين بباقى حقوقهم المادية، وهم فى الحقيقة صُناع الجريمة ويعلمون جيدًا أن المنتج الخاص لن يتحمس لهذه المسلسلات، ولا لهؤلاء الأبطال وقبل ذلك الكتاب والمخرجون الذين انتهى عمرهم الافتراضى. المخرج الذى يفرض زوجته فى كل مسلسل على حساب الدولة عليه الآن، لو كان حقيقة مؤمنًا بموهبتها، أن ينتج بالأموال التى أخذها من المبنى فى السنوات الأخيرة مسلسلًا بطولة زوجته، ولكنه لن يفعلها، لأنه يعلم أنْ لا أحد يشترى بضاعة رديئة. نعم هو قرار يزيد الجراح، خصوصا أن هناك واجبًا على الدولة عليها القيام به، الإنتاج الدرامى عندما يرتبط برؤية اقتصادية وتسويقية ووجهة نظر فكرية يتحول إلى قوة ومصدر دخل للمبنى، ولكننا لن نجد الآن إلا من يتباكى على توقف الإنتاج الرسمى، مؤكدًا أنه حزين من أجل مصر، الكل يبيع باسم حب مصر.. ارحمونا وارحموا مصر من هذا الحب!!
طارق الشناوى يكتب: يبيعون مصر من أجل مصر!!
مقالات -
طارق الشناوي