تكشف مجزرة أسوان عن أمور كثيرة يجب أن نحذر منها خلال المرحلة القادمة.
فهناك غياب أمنى.. وصل إلى أمر لا يمكن أن يحتمل.. فلا يُعقل أن يقتل 25 مواطنًا فى نزاع قبلى.. ولا يحدث تدخّل أمنى.
غياب كامل للدولة فى منطقة حيوية مهمة كان يُراد لها أن تكون على خريطة السياحة بشكل فعّال ومؤثّر فى ظل خروج كثير من المناطق السياحية المهمة من الخريطة العالمية (الأقصر على سبيل المثال).
أي نعم، ذهب رئيس الحكومة إلى أسوان.. واصطحب معه وزيرَى الداخلية والتنمية المحلية.. ولكن ماذا حدث؟! عدنا إلى الطريقة القديمة فى الحلول والبحث عن الهُدنة بين النوبيين والهلالية، وهى من قبيل المسخرة.. واعتراف بالفشل.
.. فهل هكذا تُدار الدولة؟
.. هل أصبحنا طوائف متقاتلة ندعو إلى هدنة بينها؟
.. فماذا بعد الهدنة؟ وماذا سيحدث؟ هل تعود القبائل للاقتتال تخليصًا للدم المهدر؟
أم أن الدولة أو الحكومة القائمة تريد تأجيل الأزمة لمن يأتى بعد ذلك؟!
.. بالطبع هناك غياب أمنى واضح.. والدليل أنه بمرور ما يقرب من 5 أيام لم يحدث أى تقدّم أمنى.. ويتركون الأمر لمبادرات لا تسمن ولا تمنع من الاقتتال مرة أخرى.
.. ولقد كانت هناك فرصة كبرى للأمن لبسط نفوذه ووجوده فى مكان حى.. والبدء فى خطة لجمع السلاح.. لكن ماذا تقول عن الفشل وغياب الرؤية والتعامل فى مثل تلك الأحداث.
.. وقد أظهرت مأساة المجزرة أيضًا الغياب الكبير للقوى السياسية.
.. فلم نرَ أى دور لحزب سياسى.. سواء كان له ممثلون فى أسوان أو من خارجها.
.. وهنا الحديث عن أحزاب مدنية أو تدّعى ذلك.. ويبدو أن تلك الأحزاب مهتمة فقط الآن بجمع توكيلات رئاسية.. وإعلان دعمها لمرشّح محتمل حتى تزعم بعد ذلك أنها كان لها دور فى اختياره وشعبيته!!
ناهيك أيضًا بما يدعون «الإسلامية» والقوى السلفية التى تدَّعى وجودها فى الشارع.. فهى غائبة أيضًا.. ولم نسمع لها حسًّا وربما نحمد الله على ذلك.
.. فهناك غياب وفراغ أمنى صارخ.. فكانت المعركة بالسلاح.. وأسلحة متعدّدة.. وغياب وفراغ سياسى.. وحزبى.
ولا أعرف كيف تدّعى أحزاب مدنية تسعى للحصول على أغلبية فى الانتخابات البرلمانية القادمة ولها طموح فى تبوّء منصب رئيس الحكومة وليس لها وجود فى الشارع.. ولعلّ ما حدث فى أسوان يفضحهم والكلام موجّه إلى الأحزاب القديمة.. وأيضًا أحزاب الثورة الجديدة.
.. فلن تقوى تلك الأحزاب بجمع توكيلات الرئاسة.. وإنما بتشابكها مع الشارع.. وفرض وجودها فى تلك الأزمات.
.. إن ما حدث نتيجة سنوات من الاستبداد والفساد الذى سيطر على كل شىء.
.. إنه ميراث لنظام مبارك الذى جرّف البلد من القوى السياسية وجلعها تابعة لأجهزة الدولة الأمنية.. فعندما تضعف تلك الأجهزة فلا وجود لتلك القوى السياسية وأحزابها.
.. نحن فى حاجة إلى مخلصين لهذا الوطن.
.. يعملون من أجل مصالح الوطن.
.. يعملون من أجل بناء مؤسسات الدولة.
.. يعملون على استعادة الدولة التى أهانتها الأنظمة المستبدة والفاشية سواء كان نظام مبارك أو الإخوان.. وتسير على دربه حكومات لتلك المرحلة.
.. فالبلد فى حاجة إلى الكفاءة.
.. فى حاجة إلى خيال فى التعامل مع أزماته.
.. لقد فشل الذين على الساحة الآن فى امتحان مجزرة أسوان.. لكنهم لا يدركون ولا يحسّون.
.. يا أيها الذين فى الحكومة وفى «الداخلية» وفى الأحزاب السياسية، اتّقوا الله فى مصر وحاضرها ومستقبلها.