منذ اليوم الأول لتعرفى على أفكار اليسار وانضمامى لاحقا إلى حزب التجمع وأنا أسمع وأقرأ كل يوم أن الاقتصاد محرك التاريخ وهو الذى يقف بشكل مباشر أو غير مباشر وراء معظم ولا أقول كل الصراعات والحروب والتفاهمات والتهدئات الكبرى، ولأن الحياة تؤكد هذه الحقيقة كل لحظة للبخيل أو المسرف...للشركة أو الدولة، على حد سواء، كنت أشعر بالعيب من أن يكون واحد من أبناء اليسار مثلى ضعيفا فى الاقتصاد ومكتفيا عنه بالأدب والإنسانيات. كنت أحفز نفسى على الدخول إلى هذا المجال وأقطع طريق التردد أو الرغبة فى الفرار منه بعد كل خطوة بالقول: ما يصحش ياواد نسيب محرك التاريخ ونمسك فى رفارف الجغرافيا.
كنت أقاوم بجهد منطق من حولى وهم كثر: أنا باكره الاقتصاد عمى. أصلى ما بحبش الأرقام. أصل الاقتصاد دمه تقيل. يا عم هوه إحنا يمين أو بتوع بيزنس؟. استنفرت شعورى بالواجب المعرفى كيسارى أو هو الذى استنفرنى لأواصل التعرف بشكل معقول على هذا الموتور العملاق الذى اسمه الاقتصاد، وساعدنى على الفهم والتعمق اقترابى من عمالقة مثل إسماعيل صبرى عبدالله وفؤاد مرسى وإبراهيم سعدالدين، وفوزى منصور، وسمير أمين وجلال أمين وجودة عبدالخالق، وغيرهم من قمم الاقتصاد مصريا وعربيا. وقد قضيت أوقاتا طويلة من العمر فى قراءة كتب ثقيلة الهضم فعلا أو سمجة أو خاوية من القيمة، وأخرى ممتلئة بالحيوية والنظر الثاقب والمنفعة، عن علم الاقتصاد بتفرعاته وحقائقه وترهاته ولم يذهب ذلك سدى كما أعتقد.
الآن أتعجب كيف أن أى مثقف بصرف النظر عما إذا كان يساريا أو غير يسارى يترك مثل هذا الحقل المعرفى وما هو قريب منه، بعيدا عن اهتماماته رغم ما له من تأثير مدو فى حياة البشر والأوطان.؟. إن للمعرفة الاقتصادية والمالية قيمة إضافية لأى مثقف مصرى حيث الجميع يحفظ ما ترتب على العجز المالى فى زمن الخديو إسماعيل وكيف تم اتخاذه تكئة لاحتلال مصر وجلب مواردها لصالح الأجنبى إلى جانب ما أصبح لدينا من خبرات عن تأثير الأزمات المالية العالمية ليس فحسب على الدول التى تحدث فيها أو بسببها ولكن أيضا على من لا ناقة لهم ولا جمل فيها، لأن الكبار يصدرون بلاويهم إلينا، وربما يعود الكثير مما يجرى فى المنطقة إلى مازق أوروبا وأمريكا الاقتصادى المخيف جراء الأزمة.
لهذا كله أدعو الأستاذ محمد سلماوى، رئيس اتحاد الكتاب، إلى تبنى مطلب فئوى من نوع مختلف وهو المطالبة بإمداد أعضاء وقيادات الاتحاد بحقهم المعرفى فى الإلمام بجوانب الوضع المالى والاقتصادى الراهن للبلاد، وتوضيح ما ينطوى عليه من تحديات جسام لنا جميعا، وأقترح عليه أن يدعو وزراء المجموعة الاقتصادية ومفكرين – معا أو تباعا - إلى سلسلة لقاءات فى الاتحاد لهذا الغرض.
