مصر لم تنفرد بظاهرة حكم حزب واحد لسنوات. حدث أن حُكمت دول بأحزاب لفترات طويلة. قرر الناس إبعاد تلك الأحزاب بعد عقود. رفضوها. لم يحظروها. بعد وقت قصير من الإبعاد عادت تلك الأحزاب إلى الحكم. حدث هذا فى المكسيك. الحزب الثورى المؤسسى حكم سبعين سنة تقريباً. ترك الحكم فى ٢٠٠٠. تأسس فى ١٩٢٩. استفاد من إبعاده حزب العمل الوطنى. اثنا عشر عاماً فقط مضت.. عاد بعدها الحزب الذى حكم سبعين عاماً!!
يوجد تشابه بين الحزب الثورى المؤسسى والحزب الوطنى الذى حكم مصر. كلاهما سيطر سياسياً لعقود. تغيرت تكوينة وأيديولوجية الحزب الثورى المؤسسى لمرات. اسمه كذلك تغير مرات. الحزب الوطنى من هذا النوع الذى تغير. تم حل الحزب الوطنى بحكم محكمة. أعضاؤه فى كل مكان. قياداته موجودة. حاول الإخوان أن يفرضوا عزلاً سياسياً على تلك القيادات. الدستورية رفضت. مرَّ من هذا المرشح الرئاسى السابق أحمد شفيق. انتهى العزل. لم يعد الحزب. تذكرت هذا بالحديث عن هدم المبنى الذى كان للحزب على الكورنيش.
أسمع كثيرين يقولون جملة متكررة. يقولون: لابد أن تتاح الفرصة للعمل السياسى لأى عضو فى الحزب الوطنى. إذا لم يكن مداناً بجريمة قانونية. كلام مفهوم. يبدأ من هو ليس مداناً بالظهور فى الساحة. تلاحقه حملة تخوين. حملة تشويه. يطلب البعض عزله. لو بدون وجود قانون. الذين يشنون تلك الحملات هم أنفسهم من يطالبون بمصالحة مع الإخوان. لا أستطيع فهم المنطق. جماعة إرهابية يتم طلب الصلح معها. مجموعة سياسية تختلف أو تتفق معها تطالب بفرض حظر عليها.
موضوع المبنى يختلف عن موضوع الحزب. الاسم غير قانونى لكن الأشخاص موجودون. كيف يمكن أن تستبعد ما لا يقل عن ٢٠٠ اسم كانوا أعضاء فى أمانة السياسات. لم تتم إدانة أغلبهم فى قضايا. الناخبون يقررون. الأصوات تحدد من يبقى ومن يُستبعد. عزل الناخبين أقوى عشرات المرات من عزل القوانين. كانت الإخوان جماعة محظورة وكسبت عشرات المقاعد فى نهاية حكم مبارك. كانت جماعة تحكم وثار الناس ضدها وحظروها بدون حكم محكمة أو صدور قانون. غادر الحزب الثورى المؤسسى حكم المكسيك بأمر الناخبين. عاد بأمر الناخبين. ألغت ثورة 1952 الأحزاب. طاردت حزب الوفد لسنوات. لم يقض هذا على الوفد. عاد بحكم المحكمة فى نهاية السبعينيات. مات عبدالناصر وبقى الوفد. بغض النظر عن الصورة التى بقى عليها الوفد. الوفد لم يمكنه الدعوة للجنة العليا لأن رئيسه ينتظر البركة الرسمية. الوفد ينضم إليه أعضاء الحزب الوطنى. هل لدى الحزب الوطنى ما يمكن أن يصمد؟ ما يمكن أن يعيده؟ لا أدرى. ربما لديه أشخاص. ربما لدى الأشخاص أفكار. لديهم تأثيرهم. لن يعودوا بقرار. إذا عادوا. إذا أرادهم الناس. هذا تنظيم يشبه الحزب المكسيكى. لا يقارن مع جماعة إرهابية. لا يقارن مع حزب نازى. المبنى أمر وانتهى. الأشخاص لا يمكن أن ينطبق عليهم ذات الحكم.