مع مرور الزمن يتحول أى شاهد عيان إلى فاعل لا مفعول به، ويصبح هو فى البؤرة، ولا يكتفى بهذا القدر فهو أيضا البطل المغوار الوطنى الذى ضحى بنفسه من أجل أن يعيش الوطن.
هذا هو الدور الذى يلعبه الآن شمس بدران، الذى أطلق أنور السادات سراحه من السجن الحربى قبل 40 عاما، وكان شرط الإفراج من حكم التأبيدة أن لا يتكلم فى الشأن السياسى، ومنحه السادات جواز سفر دبلوماسيا لكى يبدأ حياته خارج الحدود.
التزم شمس الصمت طوال حكم السادات وحتى زمن مبارك، ولكنه قبل بضع سنوات سمعنا مجددا باسمه من خلال تسريب أحاديث منسوبة إليه، وكان من المنتظر أن تقدم إحدى الفضائيات حكاياته، ولكن هناك مقطعا أثار الأجهزة الأمنية أشار فيه إلى أن جمال عبد الناصر عانى من الضعف الجنسى، وكان يؤجل لقاءاته الرسمية حتى يشاهد شريطا لسعاد حسنى صورته لها المخابرات خلسة.
أوقفت الأجهزة وقتها عرض البرنامج ولكن بقى صدى الشائعات. سافر إليه فى بريطانيا زميلنا فى «روزاليوسف» الكاتب الصحفى حمدى الحسينى، ووثق إجاباته فى كتاب، وتناول كل الملابسات التى عاشها منذ حصار «الفالوجا» فى 48 وعلاقته بالثورة وبالرئيس عبد الناصر والمشير عامر. كان شمس لديه ملفات عديدة، فهو واحد من أربعة مسموح لهم اللقاء بعبد الناصر فى أى لحظة دون استئذان، وكان أيضا وزير الحربية قبل هزيمة 67.
وببساطة يقول إنه غير مسؤول عن الهزيمة، بل يعتبر أن محمد حسنين هيكل يتحمل القسط الأكبر من المسؤولية بعد عبد الناصر والمشير والفريق محمد فوزى، الذى يعرفه المؤرخون العسكريون باعتباره الرجل الذى أعاد بناء القوات المسلحة فى أعقاب هزيمة 67. فى الصراع على السلطة انحاز شمس للمشير، ولهذا فهو يؤكد اغتياله لا انتحاره. أكبر عدو يواجه من يروى -خصوصا إذا كان الزمن قد فصله عن الحدث عقودا من الزمان- هو أن شهود العيان لم يعودوا بيننا، ولهذا يزداد شراسة ضد من امتد بهم العمر ولديهم حقائق مغايرة. وهكذا صار له عدوان لدودان، سامى شرف سكرتير الرئيس جمال عبد الناصر، ومحمد حسنين هيكل، الكتاب يمتلئ بعبارات اتهام وتجريح تطول الاثنين خصوصا هيكل. ولكنه أضاف للحكايات سعاد حسنى والموسيقار محمد عبد الوهاب.
أراد أن يجرح عبد الناصر ويحيل صورته كزعيم إلى مجرد رجل عاجز جنسيا، بعد تفاقم إصابته بالسكر، وفى نفس الوقت يقدمه للرأى العام كرجل يشعر بلذة عندما يشاهد التعذيب فى السجن الحربى. ويمتد التشويه إلى الطعن فى كل ما يعرفه ويتداوله الناس عن شخصية عبد الناصر، حتى واقعة الجبنة القريش التى كانت طعامه المفضل، لم يستطع نفيها، ولكنه أضاف أن فى ثلاجة ناصر كل أنواع الجبن السويسرية المستوردة، وغيرها من الحكايات الصغيرة التى تريد أن تنال من الرجل.
والتحليل الجنسى هو المسيطر على شمس، مثلا السادات ورط مصر عام 66 للدخول فى حرب اليمن، لأنه كان على علاقة بامرأة يمنية، وينفى علاقته بالإعلامية الكبيرة الراحلة همت مصطفى، وهى الشائعة التى انطلقت فى آخر أيامه بسبب أحاديثه التى كان يسجلها فى قريته «ميت أبو الكوم» ويناديها «همت يا بنتى»، يؤكد شمس أن عبد الناصر هو الذى فرضها منذ الستينيات على المشهد السياسى والإعلامى الرسمى فى مصر. دائما هناك هاجس جنسى وراء كل هذه الأحداث. وتبقى قصة أغنيات وقصائد عبد الوهاب التى سجلها عبد الوهاب فى بيت شمس، وهو يعلم جيدا أن هناك حقوقا أدبية ومادية لا يمكن تجاهلها، ولهذا يحرص على التأكيد أنه بسبب كثرة تنقله لم يعد يحتفظ بها إلا شريطا واحدا أشار إليه استعاره منه صحفى وإعلامى مصرى كبير ولم يستعده حتى الآن، ولديه معلومة أن هذا الإعلامى باعه بالملايين لثرى عربى. مبالغة فى رقم البيع، ولكن تستطيع أن تعتبرها أيضا محاولة غير مباشرة لتحلية بضاعته، التى لا تزال حتى الآن بحوزته.
والرجل يؤكد أن الجميع كانوا يسعون إليه ومنهم أم كلثوم، ولكنه وهابى المذاق، ولهذا كان يصدها، والكل يعرف أن أم كلثوم كانت لها مكانة خاصة عند عبد الناصر، ولا تحتاج إلى حماية من أحد، ولكن إحساس شمس بأنه كان محور الكون، إنها بالتأكيد مأساة عاشها شمس بدران، فأراد أن يحيلها فى أيامه الأخيرة إلى فيلم «بورنو»!!