تدهشنى أحياناً بعض ردود الأفعال التى تعقب كل عملية إرهابية تتم لحساب «التحالف الإخوانى لدعم الإرهابية»، خاصة تلك التى تصدر عن أصحابها فور وقوع العملية، على لسان بعض مقدمى البرامج التليفزيونية التى تغطى وقائعها، أو على ألسنة بعض من تتصل بهم هذه البرامج هاتفياً من الشخصيات السياسية والعامة وخبراء الأمن للتعليق عليها.. وهى ردود أفعال يتسم معظمها بدرجة من الانفعال الزائد، يصعب معها على بعض هؤلاء المقدمين أو المعلقين أن يتحكموا فى المشاعر المختلطة التى تناوشهم، وتجمع بين الغضب الشديد مما جرى، والحزن البالغ على الذين ذهبوا ضحية له من رجال الأمن، فيقودهم ذلك إلى أحاديث منفلتة، تدين الضحايا أكثر مما تدين الجناة، وتركز على ما يسمونه تقصير الشرطة، أكثر من تركيزها على وحشية الإرهابيين.
شىء من ذلك حدث فى أعقاب العمليتين الإرهابيتين اللتين استهدفتا مديريتى أمن الدقهلية والقاهرة، إذ قاد الغضب بعض الذين علقوا عليهما آنذاك إلى اتهام أجهزة الأمن بالتقصير والعجز عن حماية مقارها، وتصاعد إلى حد المطالبة بإقالة وزير الداخلية، حتى نسى البعض فى حمى انفعالهم أن يدينوا الإرهابيين الذين دبروا العمليتين ونفذوهما، وحدث فى أعقاب غيرهما من العمليات، وآخرها عملية التفجيرات التى حدثت يوم الأربعاء الماضى، وأسفرت عن استشهاد العميد طارق المرجاوى وإصابة عدد من كبار المسؤولين فى مديرية أمن الجيزة.
وإذا كان من حقنا أن نحزن على الذين استشهدوا فى الحرب ضد الإرهاب، وأن نغضب لما تسفر عنه العمليات الإرهابية من تدمير للممتلكات الخاصة وتخريب وتعطيل للمرافق العامة، وتوقف لعجلة الإنتاج، فمن واجبنا أن نسوس مشاعرنا، وأن نتحكم فيها، بحيث تنطلق من رؤية واضحة تخلو من أى تشوش، خلاصتها أن الإرهابيين هم الذين بدأوا هذه الحرب، فور فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة اللذين كانا فى جوهرهما عملاً إرهابياً، وأنهم كانوا يستعدون لهذه الحرب قبل انفجار ثورة 25 يناير وبعدها، خاصة خلال حكم الرئيس السابق محمد مرسى، الذى فتح لهم أبواب السجون، وكل منافذ البلاد، لكى يتسللوا إليها، ويحشدوا فيها السلاح، فيتكون منهم جيش يحمى نظام حكمه ويحوله، من رئيس انتخبه الشعب بأغلبية ضئيلة لفترة انتخابية واحدة، إلى رئيس دائم لمدة كان يقدرها بخمسة قرون، وأن الهدف من هذه الحرب الإرهابية هو كسر إرادة الشعب، الذى سحب ثقته من هذا الرئيس فى ثورة 30 يونيو، وتحطيم الجيش والشرطة اللذين استجابا لهذه الإرادة، ونهضا لحمايتها والدفاع عن مطالبها.
تلك حرب وطنية بكل المقاييس ضد عدو للوطن، وليس ضد فريق سياسى يختلف مع غيره من الفرقاء السياسيين حول أمور داخلية، ويستخدم فيها كلا الطرفين أدوات النضال السياسى السلمية، بل حرب عدوانية يمارس فيها العدو عمليات قتالية، تمولها قوى خارجية، بهدف احتلال أرض الوطن وإرادته، وتغيير هويته، وتحويله إلى «إيالة» عثمانية، يحكمها أمير المؤمنين الخليفة «الطيب أردوغان» وتابعه «محمد مرسى العياط».
والحرب ضد الإرهاب أكثر مشقة وتكلفة وتعقيداً من الحروب ضد الأعداء الخارجيين، ليس فقط لأن العدو - فى هذه الحرب - يشكل طابوراً خامساً فى داخل البلاد، ويعتمد على جيش من العصابات غير المنظمة، تمارس أشكالاً من الجرائم المنظمة، ولكن - كذلك - لأنه يستخدم أساليب غير نظامية، ولا يخضع للقوانين الدولية التى تنظم الحروب.
ولأن الجبهة الداخلية تلعب دوراً مهماً ومحورياً فى الحرب ضد الإرهاب، بحكم أنها الساحة الرئيسية لها، فإن الانفعالات الغاضبة التى تعكس انزعاج البعض المبالغ فيه، بعد وقوع أى حادث إرهابى جديد، وتدفعهم فى حمى استسلامهم لهذه الانفعالات إلى اتهام الشرطة بالتقصير والعجز، تساهم - ربما دون أن يتعمد أصحابها ذلك - فى إثارة الشكوك لدى بعض المواطنين فى جدوى استمرار هذه الحرب، وتهز ثقة البعض الآخر بإمكانية النصر فيها.. فضلاً عن تأثيرها السلبى على الروح المعنوية لدى بعض القوات التى تخوض هذه الحرب.
والغريب أن بعض الذين يعجزون عن السيطرة على انفعالاتهم عند وقوع أى حادث إرهابى جديد، فينهالون على قوات المقاومة تقريعاً واتهاماً بالعجز والتقصير وعدم الكفاءة، والذين كرروا ذلك فى أعقاب التفجيرات التى وقعت فى محيط جامعة القاهرة فى الأسبوع الماضى، يتجاهلون ما سبق لهم أنفسهم، وسبق لغيرهم أن توقعوه، وهو أن تتصاعد وتيرة العمليات الإرهابية، مع كل خطوة جديدة من خطوات تنفيذ خارطة المستقبل، وهو ما يعنى أن احتمالات القيام بمثل هذه العمليات، مع بدء حملة الانتخابات الرئاسية واردة بقوة، وأنها ستظل واردة بقوة خلال الشهرين القادمين، حتى انتهاء هذه الانتخابات وإعلان نتيجتها فى نهاية الشهر المقبل، ومن المنطقى أن تنجح بعض هذه العمليات، وأن تتمكن أجهزة الأمن من إجهاض معظمها، أما الذى ليس منطقياً فهو أن ينفعل هؤلاء، وكأن العملية لم تكن متوقعة.. فى مواجهة عدو خفى يشعر بأن إنجاز خارطة المستقبل سوف ينتهى بتأسيس شرعية جديدة، تبدد الوهم الذى يشيعه بين قواعده من الإرهابيين، بأنه سينتصر فى المعركة، وبأن الرئيس المعزول سوف يسترد عرشه، ويعود لقصر الاتحادية، لكى يتحلق هو وأهله وعشيرته حول «أنجر الفتة»، ويحلوا بالمانجو الذى انخفض سعر الكيلو منها فى زمنه السعيد إلى ثلاثة جنيهات!
وليس معنى ذلك أن كل شىء تمام التمام، أو أن الحرب ضد الإرهاب لا تعانى من نقص فى الإمكانيات أو تقصير فى الأداء، أو أن بعض العمليات الإرهابية كان يمكن توقيها، ولكن التنبيه لذلك ينبغى أن يتم بأسلوب يضع أصحابه فى اعتبارهم أن قوات الشرطة لم تكن قد استعادت لياقتها الكاملة، بعد ما أصابها من تفكك فى أثناء وبعد ثورة 25 يناير، حين وجدت نفسها مضطرة لمواجهة عدو تتدفق عليه الأسلحة من الشمال والشرق والجنوب، ويموّل بحقائب من الدولارات والريالات، تسلل إلى كل مفاصل الدولة والمجتمع، وأن الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد قد حالت بين الحكومات المتوالية، وبين الاستجابة لمطالبها المتكررة والملحة بتخصيص موارد تمكنها من رفع مستوى العاملين بها فى مواجهة المخاطر التى يتعرضون لها، ومن تحديث أسلحتها وأدواتها القتالية فى مواجهة أسلحة الإرهابيين المتقدمة، ومن إعادة تشكيل وتدريب الوحدات المتخصصة فى مقاومة الإرهاب، والتى أمر الرئيس السابق بحلها، تمهيداً لتشكيل وحدات بديلة تقوم بدعم الإرهاب.
ولو أن هؤلاء تتبعوا مجريات الحرب ضد الإرهاب خلال الشهور الثمانية التى انقضت منذ بدايتها، لأدركوا أن القوات المسلحة - التى تقوم بالعبء الأكبر فى مقاومة الإرهابيين على جبهة سيناء - والشرطة - التى تتحمل هذا العبء فى داخل البلاد - قد استطاعتا خلال هذه الفترة أن تستفيدا من تجاربهما، وأن تسدا معظم الثغرات التى ينفذ منها العدو، فكفت يده عن الوصول إلى عدد كبير من الأهداف التى وصل إليها فى بداية المعركة، وأن أجهزة المعلومات التابعة لها قد استعادت جانباً كبيراً من لياقتها المهنية، ونجحت فى الكشف عن خطط بعض عمليات العدو وإجهاضها قبل تنفيذها، وفى التوصل إلى الجناة فى عدد من العمليات السابقة، وأصبحت لديها خريطة شبه نهائية بالشبكات التى تمارس الإرهاب.
ما ينبغى أن يتذكره الجميع، بمن فى ذلك الإرهابيون من أنصار الرئيس المعزول، وأن يثق به الجميع ممن يرفضون الإرهاب وممن يقاومونه من أبطال الشرطة والقوات المسلحة، هو الحقيقة التاريخية التى تقول إن كل موجات الإرهاب التى ضربت مصر بواقع مرة كل عقد من الزمان منذ أربعينيات القرن الماضى حتى الآن، قد انكسرت فى النهاية ولم تحقق واحدة منها هدفاً من أهدافها، بل انتهت جميعاً بانفضاض الجماهير عن الذين يقومون بها، وعن التيارات التى ينتمون إليها.
والمجد للشهداء والأبطال من رجال الشرطة والقوات المسلحة الذين يخوضون الحرب ضد الإرهاب دفاعاً عن إرادة الشعب واستقرار الوطن.