منذ عدة أشهر قمت بشراء «سكوتر», ليست اللوحة المعدنية الملحق بها عصا حديدية ويقوم راكبها بدفعها بقدمه، ولكن السكوتر هو الاسم العام لشكل الموتوسيكلات المشهورة في مصر بالـ«فيزبا», مثلما يوجد في السيارات أقسام مثل السيدان والسيارات ذات الدفع الرباعي, يوجد في الموتوسيكلات أقسام, منها السكوتر والسباق. ويوجد من السكوتر أنواع كثيرة ومختلفة من حيث «النقلات» سواء كانت يدوية أو أوتوماتيكية, وبلد المنشأ, وبالطبع الأسعار. بعد العديد من الأبحاث على شبكة الإنترنت وسؤال مالكي «سكوترات» مماثلة، وبالطبع الأمثل لميزانيتي وقع اختياري على موديل تايواني, فالـ«سكوترات» عالم كبير وبه الكثير من الموديلات والأسعار, تبدأ من 4 آلاف جنيه وقد تصل إلى 80 ألف جنيه, وقع اختياري على موديل في نطاق التسعة آلاف جنيه, ويجب أن أعترف بأن قرار شراء سكوتر كان من أحسن القرارات التي قمت بها في الفترة الأخيرة.
يتميز السكوتر بنواح متعددة:
نبدأ باستهلاك البنزين, منذ شرائي السكوتر قمت بقيادته ما يقرب من 2000 كيلومتر, وفي المتوسط يقوم خزان البنزين ذو سعة الـ5 لتر الموجود بالسكوتر بقضاء 100 كيلومتر قبل أن تضيء لمبة البنزين في إشارة إلى أنه يجب أن «أفوّل»، ويمكن قضاء ما يقرب من 20 كيلومترا باللمبة المضيئة, هذا يعني أنني قمت بدفع حوالي 180 جنيها فقط على البنزين منذ شرائي السكوتر, متوسط السيارات الـ1600 سي سي تقوم بدفع المبلغ نفسه في مرتين أو ثلاث مرات من الـ «تفويل» وتقوم بالمشي ما يقرب من 1200 كيلومتر, هذا بالإضافة إلى أنه في أوقات أزمات البنزين لا يواجه سائقو الموتوسيكلات أي مشاكل سواء في شح البنزين لأن الكمية التي تحتاجها سيارة واحدة تملأ حوالي 7 موتوسيكلات, وأيضا معظم محطات البنزين تخصص طلمبة بنزين «للمكن» نظرا لسهولة وسرعة تموينها.
أما بالنسبة للوقت فحدّث ولا حرج. سابقا عندما كنت أذهب من منزلي بالمهندسين إلى مقر عملي في شارع القصر العيني بالسيارة كانت المسافة (7 كيلومتر) تستغرق في المتوسط ربع الساعة في الأيام غير المزدحمة, وتصل إلى ساعة وأحيانا ساعة ونصف خلال الأيام المزدحمة. أما الآن بالموتوسيكل فأصبحت في الأيام المزدحمة تستغرق في المتوسط ثلث الساعة وفي الأيام الجيدة 8 دقائق فقط.
وعندما تصل لوجهتك بالموتوسيكل أيا كان نوعه, ستكتشف ميزة أخرى من مميزات الموتوسيكلات وهي «الركنة»، فمن الممكن أن تقوم بركن الموتوسيكل في أي مكان بدون وجع الدماغ المرتبط بالسيارات والبحث عن مساحة خالية للركن, عادة أقوم بالركن عند محال الطعام التي تقوم بخدمة التوصيل للمنازل لأن القيام بترك الموتوسيكل أمامها يعتبر نوعا من أنواع الحماية من السرقة، وفي أغلب الأوقات لا يمانع «الطيارين»، قائدو موتوسيكلات الدليفري، في الركن بجوارهم.
الموتوسيكلات هي أحسن وسيلة مواصلات داخل المدينة, وفي مدينة مزدحمة -دائما- مثل القاهرة فإن الموتوسيكلات قد أصبحت وسيلة المواصلات المختارة للعديد من طبقات الشعب حتى إن البعض قام بإنشاء نواد لقائدي الـ«سكوترات».
مؤخرا تم نشر دراسة اقتصادية جرى تنفيذها في بعض الدول المتقدمة (فرنسا, إسبانيا, إيطاليا, أستراليا, نيوزيلندا, إنجلترا, بعض الولايات الأمريكية) تناولت الدراسة العديد من الأمور، منها مقارنة ما بين المصاريف الشهرية للمواطن الذي يمتلك سيارة وموتوسيكلا والمواطن الذي يمتلك سيارة فقط, ظهر أن المصاريف الشهرية الخاصة بالمواصلات لمالك السيارة فقط تزيد شهريا بنسبة 35% على مالك سيارة وموتوسيكل. هذا بالإضافة للعامل البيئي في امتلاك موتوسيكل نظرا لضآلة العوادم الصادرة عن الموتوسيكلات مقارنة بالسيارات. وقامت العديد من الدول بتقديم تسهيلات وفوائد لملاك الموتوسيكلات من أجل تشجيع المواطنين على اختيارها كوسيلة للنقل, فمثلا قامت إنجلترا بإعفاء سائقي الموتوسيكلات من الرسوم التي تدفعها السيارات لدخول وسط المدينة, وفي أستراليا مُصرح للموتوسيكلات بالركن على الرصيف, وفي نيوزيلندا تم إعفاء الموتوسيكلات من أجرة الركن في الجراجات العامة، وبالعكس أصبحت الدولة تهتم بتوفير أماكن خاصة لركن الموتوسيكلات, وبدأت العديد من الولايات الأمريكية بالسماح للموتوسيكلات بالقيادة ما بين حارات الطريق (وهذا ممنوع ويعتبر مخالفه للسيارات تستحق الغرامة) بالإضافة إلى قيام العديد من دول العالم بتخصيص حارة خاصة للموتوسيكلات.
وبما أن مصر دولة نامية، وقد يقول البعض إنه ليس من العدل مقارنتها بالدول المتقدمة, ففي نظرة سريعة إلى دول في أفريقيا وأمريكا اللاتينية نجد أنه يتم استخدام الموتوسيكل كالتاكسي, تقوم بالإشارة له فيقف وينقلك من مكان إلى آخر مقابل أجرة (طبعا تلك العملية تستلزم ركوب فردين على الأقل فوق الموتوسيكل), وفي دولة مثل فيتنام التي تشبه مصر في عدد السكان وإجمالي الناتج المحلي نجد أن إحصائية عدد الموتوسيكلات مدهشة, ففي عام 2006 كان عدد الموتوسيكلات في فيتنام ما يقرب من 20 مليونا أي موتوسيكل لكل 4 أفراد!.
الموتوسيكلات قد تشكل عائدا اقتصاديا للدول أيضا وليس فقط للأفراد, فالعديد من دول العالم التي تعتمد فيها السياحة على مشاهدة المناظر الطبيعية والآثار أصبحت تروج لسياحة الموتوسيكلات التي تتضمن قيادة الموتوسيكل ضمن مجموعة وزيارة أماكن مختلفة حول الدولة, في فيتنام (ومعظم دول جنوب شرق آسيا) متوسط قيمة الأسبوع 1500 دولار هذا بجانب ما سيقوم السائح بإنفاقه في الأماكن المختلفة للزيارات, في معظم دول أوروبا متوسط سعر الأسبوع هو 2300 يورو, في أمريكا وكندا متوسط العشرة أيام 3100 دولار، وفي عام 2012 وصل العائد السنوي لــ«سياحة ركوب الموتوسيكلات» في أمريكا وكندا إلى 34 بليون دولار سنويا بعد وصول عدد السائحين إلى 11 مليونا سنويا.
وفي مصر على مدى السنوات الثلاث الماضية تم تنظيم حدث سنوي تحت اسم «Cross Egypt Challenge» أو تحدي عبور مصر, وكان عبارة عن رحلة يقوم بها قائدو الموتوسيكلات عبر مصر تبدأ من الإسكندرية وتنتهي عند سفح الأهرامات مرورا بالعين السخنة والجونة ومرسى علم وأسوان والأقصر والواحات الداخلة والواحات البحرية, تستغرق تلك الرحلة 9 أيام وتكلفتها للمصريين 7 آلاف جنيه وللأجانب 1600 دولار. وقد لاقى هذا «التحدي» نجاحا باهرا.
الموتوسيكلات ليست هي المشكلة, بل الموتوسيكلات هي الحل للعديد من المنغصات الموجودة في مصر مثل زحام المرور والبنزين والتكدس والتلوث, ومن الممكن أيضا أن تقوم الموتوسيكلات بفتح نافذة مختلفة لتنشيط السياحة في مصر, طبعا هذا يحتاج وعيا مجتمعيا ووعيا على مستوى الدولة, الوعي المجتمعي سهل نشره عندما يتم إيجاد آليات صحيحة تقوم الدولة بتنفيذها لحل بعض المشاكل التي تكون الموتوسيكلات سببا فيها, وتلك الآليات لا تتضمن المنع.
بعض القرارت التي ناقشتها واتخذتها الحكومة تجاه الموتوسيكلات مؤخرا ذكرتني بنكته سخيفة سمعتها منذ فترة: «راجل عرف إن مراته بتخونه في بيته وعلى سريره, قام بايع السرير».