14- سيصوّت الناس بقوة للسيسى كذلك لعدم وجود بديل له بين المرشحين والفجوة واسعة جدا بينه وبين الآخرين، فلا يوجد بين المرشحين شخص يمكن وصفه برجل الدولة وفقا للمعنى المتعارف عليه لرجل الدولة، فهناك هوجة من التطلعات حدثت بعد ثورة 25 يناير جعلت كل من هبّ ودبّ يرى نفسه جديرا بحكم مصر، طبعا من حق كل مواطن الترشح والتطلع للمنصب ولكن عند التقييم يظهر الغثّ من الثمين، وقد وجد الناس غثًّا كثيرا على الساحة فأقبلوا على السيسى.
15- وأخيرا سندعم السيسى للرئاسة لأن هذا يصب فى مصلحة مصر لا فى مصلحته شخصيا، فالسيسى كان من الممكن أن يظل وزيرا للدفاع ويبقى فى مخيلة الناس بطلا تاريخيا إلا أنه فضل الدخول إلى معترك السياسة التى سيطوله شرورها ونقدها ورذاذها، خصوصا بعد تفاقم المشكلات وارتفاع سقف تطلعات الناس لدوره المقبل، ومن هنا فإن العمل السياسى عبء عليه ولكن فى صالح مصر بالتأكيد فى ظل هذه الفترة الصعبة المضطربة. وجب التنويه إلى أن التنظيم الدولى للإخوان يصوّر السيسى للعالم على أنه بينوشيه آخر، فى حين يريده الإسلاميون نسخة من ضياء الحق يعمل على أسلمة الدولة والجيش، ويرى فيه الناصريون روح عبد الناصر المستنسخة، أما نحن فنريده رجلا من طراز أيزنهاور وديجول وتشرشل، هؤلاء الرجال العظام الذين انتصروا لبلادهم فى الحرب وفى معركة بناء دولة ديمقراطية عصرية حديثة.
إن السيسى بلا شك يمثل رئيس مرحلة الخوف، الخوف على مصر من الفوضى وعدم الاستقرار ومن المؤامرات ومن تفكك الدولة ومن الإرهاب ومن الانهيار الاقتصادى ومن خطر وشر الإسلاميين المتطرفين، ولكن نأمل أن يتحول من رئيس مرحلة الخوف إلى رئيس مرحلة الأمل، ولكى يحدث ذلك ولكى ينجح كرئيس فإن هذا يتوقف على البعد عن كل الأمور التى تُفسد الرؤساء والملوك، عليه البعد عن المنافقين الانتهازيين الأفاقين الذين يوصفون برجال كل العصور، وهم يمثلون الخطر الأكبر على أى رئيس.
عليه أن يأخذ مسافة بعيدا عن السلفيين برؤيتهم المنغلقة وأجندتهم المتخلفة الغارقة فى الماضى ولا ترى المستقبل. عليه كذلك البعد عن الشِّلَل السياسية التى تلتفّ حول كل رئيس وتصبح مثل طبقة الكوليسترول الردىء التى تعزله عن الشعب حتى تغلق شرايين الحكم فيموت بالسكتة القلبية. عليه أن لا يجامل رجال الأعمال الفاسدين على حساب مصالح المواطن الغلبان، نعم يشجّع رجال الأعمال الملتزمين المجتهدين ولكن فى نفس الوقت يحاسب بقوة الفاسدين. عليه إغلاق ما يسمى ملف المصالحة تماما، فمن يرغب فى العمل السياسى عليه أن يخضع لشروطها المدنية، أما جماعة الإخوان ومكتب الإرشاد والسعى للخلافة فهذه أمور أبعد ما يكون عن العمل السياسى الصحيح. عليه أن يراعى العدالة الاجتماعية قولا وفعلا وليس كما كان يكرر مبارك. عليه كذلك تبديد مخاوف المصريين من عودة الحكم العسكرى الذى كان يحشو المؤسسات بضباط الجيش والشرطة مما يحرم الكفاءات من قيادة الدولة. على السيسى دور مهم فى ترميم الوحدة الوطنية والمواطنة من آثار عصرَى السادات ومبارك. عليه أن يراعى كرامة وحقوق المواطن المصرى ولا توهمه الأجهزة الأمنية أن انتهاك حقوق البشر شىء ضرورى للمحافظة على حكمه كما أوهموا من سبقوه. عليه أن يبعد الدين عن السياسة وشرورها وأن يكون هناك خط فاصل بين الروحى والسياسى وبين ما لله وما للبشر.
إن هذا التأييد الجماهيرى الكاسح للسيسى مهم جدا ولكنه غير كاف لنجاح مهمته كرئيس، فعليه أن يتبع كتالوج النجاح ومسار التقدم الذى سلكته الدول الناجحة، وأن يختار فريق عمل كفئًا وعلى مستوى المسؤولية، وقتها سينجح السيسى فى إحداث نقلة نوعية لمصر ستُدخله التاريخ كما دخله بحروف من نور بعد ثورة 30 يونيو.
مجدى خليل