دائما ما نجد أمامنا كلمة تتكرر فتصبح هى شعار المرحلة، راجعوا فقط بعد الثورة كلمات مثل «فلول وقائمة سوداء»، أما قبل الثورة فستجد كلمات احتلت الصدارة سنوات وسنوات مثل «مصداقية وشفافية»، أما الآن فإنك تستمتع إلى الكل يغنى بصوت مسموع «مسافة واحدة». صحيح أنه ليس جديدا تماما بين الحين والآخر كان يتسلل هذا التعبير إلى مفردات الأحاديث سياسية وفنية، مثلا عندما احتدمت المعركة بين رانيا يوسف وغادة عبد الرازق حول فيلم «بون سواريه» قبل ثلاث سنوات أكد المخرج على رجب وقتها أنه يقف على مسافة واحدة بين النجمتين وفى الحقيقة لم تكن المسافة واحدة. الآن نحن نمسك بطوق نجاة «مسافة واحدة» ونطلقه على أهم استحقاق لثورة 30 يونيو وهو كرسى رئيس الجمهورية، والمطلوب والمعلن أن تقف كل الأجهزة على الحياد بين المترشحين للمنصب، وأتذكر ولعلك تتذكر أن نفس هذه المسافة كانت تتردد ولكن بقدر من الاستحياء أيام مبارك، وشاهدنا الراحل أحمد الصباحى رئيس حزب الأمة بطربوشه المعتبر عام 2005 يحصل فى التليفزيون الرسمى على نفس المساحة التى أتيحت لمبارك الأب، لكى يشرح برنامجه الانتخابى للمشاهدين، إلا أنه فى هذا الحوار حرص على التأكيد أنه سيمنح صوته لحسنى مبارك. الإعلام المصرى هذه المرة تلقى تعليمات مشددة من الدولة بتمثيل الحيادية أى «شوية هنا وشوية هناك»، ولو راجعت الجرائد القومية ستكتشف أنها حريصة مثلا فى الصفحة الأولى عندما تشير إلى أن السيسى ذهب للكشف الطبى، فإن هناك خبرا موازيا يؤكد أن حمدين لم يذهب بعد، وهو ليس خبرا، ولكن حتى تظل المسافة مسافة واحدة، يكتبون اسمه فى العنوان، ولو كان حمدين مثلا قد ارتدى الخوذة وركب «الفيسبا» اليابانى لكانت الصحافة وضعت صورته موازية لعجلة السيسى الألمانية صفحة أولى. حمدى قبل أن يشرع فى دخول الانتخابات كان يقول فى كل أحاديثه لو السيسى سينفذ مبادئ ثورتى 25 و30 فسوف أكتفى بدعمه، ومن الواضح أن هذا كان هو المطلوب وقتها، ولكن تغيرت قواعد اللعبة وبات دخول حمدين يشكل ضرورة للدولة وليس فقط رغبة لحمدين. الانتخابات لن تصبح انتخابات إلا إذا وجدت قوة موازية لا أقول متعادلة ولكنها موازية، وبعد أن بات معروفا أن كل من ينتمى للمؤسسة العسكرية لن يجرؤ على التقدم فى ظل رغبة المشير، فلقد تراجعوا، بل إن شفيق تبرأ من حملة «الكبير جاى يا شعب» وأرسل رسالة واضحة أن الكبير سيظل بعيدا عن تلك المعركة بل صوته سيدعم السيسى. حمدين أول من يعلم أن المزاج الشعبى والنفسى فى القسط الأكبر منه يؤيد السيسى، فهو الأكثر ملاءمة بحكم تكوينه العسكرى لتحقيق الضبط والربط للشارع الذى يشكل الهاجس الأكبر للملايين. حمدين يعلم تماما أيضا أن دخوله الآن بات ضرورة لو لم تجده الدولة لاخترعته، فهو يحمل المواصفات المطلوبة، يتقدم الانتخابات كمرشح جاد له تاريخ سابق، ولكنه يعلم أيضا أن هناك شروطا للعب مع الكبار، وهناك ثمنا فادحا لمن لا يحترم الشروط. سيظل السؤال عن النسبة التى سيحصل عليها، هو سيخسر والكل يعلم ذلك وأولهم حمدين، ولكن ما النسبة؟ ربما منحوه مثلا كحد أقصى 15% وهى نسبة آمنة للرئيس القادم، ولكن يبدو لى أنه يسعى لأن يحقق ما هو أكثر من المقرر له، وفى هذه الحالة يضمن أن النظام الجديد سوف يتعامل معه كقوة حقيقية فى المعادلة القادمة، وله مريدون، ولهذا من حقه أن يحصل على شىء من تورتة المناصب المحتملة. ولهذا حرص على التأكيد فى كل أحاديثه أنه لن يقبل أى منصب لن يحصل عليه بالانتخاب المباشر. لا آخذ تصريحات السياسيين على محمل الجد، دائما ستجد هناك مخرجا، مثلا يعلن أنه بالفعل قال ذلك من أجل مصر، ولكن من أجل مصر أيضا سوف يتولى المسؤولية تحت قيادة السيسى. المسافة الواحدة سيظل يتمتع بها الصباحى على شرط أن لا تتجاوز طموحاته النسبة المقررة، ولكن لا تتصوروا أن الإعلام الخاص قبل العام سوف يسمح بأن يتطلع إلى ما هو أكثر، ساعتها سيجد نفسه بعيدا عن الرقعة بمسافات ومسافات!!
طارق الشناوى يكتب: مسافة واحدة بين السيسى وحمدين!
مقالات -
طارق الشناوي