يتصور الإرهابى أنه سيدخل الجنة. والفاسد أيضًا يتصور أنه سيحصل عل مفتاح جنته الأرضية بفوز مرشح/ أو بإعادة بعث نظام... أنتم مجانين تقتلوننا ببرود.. أنتم نتاج عصر الانحطاط.. ونحن ندور فى دوامات تشبه الغرق فى ترعة راكدة.. العالم القديم الذى ترعرع فيه الفاسد والإرهابى يتآكل... ونحن لأول مرة ندرك أننا جزء من هذا العالم بالتواطؤ أو بالمصلحة أو بالتصفيق مثلا لقاتل السادات، لأننا لا نستطيع إسقاطه أو بالتصفير على نغمة فاسد؛ لأنه سينقذنا من الإرهاب بحكمه الخانق. عشنا أيام البدائل المضروبة من الأدوية فى الصيدليات إلى عمر سليمان على كرسى الرئاسة حتى أصبح هناك من يبكى على أيام مبارك، بل ويظهر مبارك نفسه وبصوته يلعب دور الحكيم الناصح، ... نعم هو نفسه راعى الانحطاط الأول ومدمر حياتنا... وقاتل التعليم والصحة والأمن... يقدم نصائح للمستقبل... قائد عملية التحويل من بلد إلى صحراء.. ومن الأمل إلى الغرق فى رمال متحركة... الآن يظهر وينصح. بالضبط كما يمكن لأى قاتل من جماعات انتظار الخلافة.. وكلها خارجة من عباءة مشروع الإخوان بكل ركاكته.. ليتحدث لائمًا عبادة البيادة أو الغرام بالعسكر. انظر أين تقف؟ أى قيم وأفكار تحدد موقعك من العالم؟ ليس بالمعنى القديم الذى كان يقول لك: أصلِح من نفسك قبل ما تطلب إصلاح النظام.. ولكن بمعنى آخر أدرك واكتشف فى أى مجتمع تعيش؟ كيف عشنا سنوات نقف احترامًا للفاسد ونضرب له «تعظيم سلام»؟ لأننا عاجزون عن مقاومته أو لأننا تربينا على «أرقص للقرد فى دولته» أو لأننا تعاملنا مع الفساد على أنه من طبائع الحكم، ليس المهم أن يسرقونا.. ولكن عليهم أن ينظروا إلينا بعين العدل فى توزيع الفتات أو ما يجعلنا نصمت أو نتخيل أننا نعيش». عشنا سنوات أيضا فى انتظار بركات من القاتل الذى يتحدث باسم السماء، ويوهمنا بأنه يحمل توكيلًا من الله يدبِّج الفتاوى التى توافق عقله أو تصوراته عن العالم السعيد/ وهو ينشر الكآبة كحل بديل عن الحياة المحترمة. ... هل تتصور أنه من الممكن عودتنا إلى الكارثة التى عشنا فيها ٣٠ سنة تحت سطوة وسيطرة الإرهاب والفساد؟ ...نحن منذ ٣ سنوات ندفع ثمن اكتشافنا ما كنا فيه من «بالوعة نفايات»... ندفع ثمن سكوتنا عن السرطان الذى يسرى فى جسدنا حتى أفقده جهاز المناعة... ندفع ثمن تسمية الركود استقرارًا وتوزيع الهبات على الفقراء أعمالا خيرية... ومنافسة النظام على التسلط علينا معارضةً... بل ونسمى هذه «الخرابة الكبيرة» دولة. ... «نَعم لقد تعبنا». لكنه تعب من اكتشاف ما كنا فيه/ ومن فاتورة الاكتشافات المفزعة/ ومن شعور يتسرب باستحالة التغيير (أو صعوبته).. واستحالة العودة إلى زمن الحياة فى بالونات شخصية يتعامل الفرد فيها كأنه معزول عن المجتمع... نعم تعبنا لأننا شركاء فى الجريمة التى عشناها معا... شراكة لا يمكن الخروج منها بسهولة. إننا على مفترق عالم ينهار ولا منقذ من انهياره، وعالم جديد لا تَصلح فيه خطابات من نوع «مصر أم الدنيا..» دون أن يصاحب ذلك إدراك ما وصلنا إليه من انهيار شامل. وهنا يمكن أن تخدعنا الماكينات القديمة للدولة، لأن أحد تروسها ما زال يعمل لكنها ماكينة خارج الصلاحية.. لكنها ماكينات قاتلة... تقودنا إلى مصير أسوأ من الصومال/ أو تحيلنا إلى مملكة الزومبى الخالدة/ أولئك الموتى الذى يصرون على أنهم أحياء واستمرارهم رهن بامتصاص كل ما يتعلق بالحياة. * حق - نادين: هذه زاوية من المقال سأحاول فيها متابعة قضية مقتل الكاتبة والسيناريست نادين شمس بخطأ طبى.. على المستوى الشخصى ما زلت لا أصدِّق أن الصديقة والزميلة التى عرفتها طيلة هذه السنوات غابت إلى الأبد، وأن ما بقى منها هو ذكريات وتفاصيل... ومعافرة فى الحصول على حقها. لكن على مستوى آخر أعتقد أنها وكما كان عماد الكبير وخالد سعيد مناسبة لفتح ملف التعذيب فإن قضية نادين ليست طلبًا للتعويض عن غياب عزيز أو انتقام من القاتل المغرور والمهمل.. ولكن من أجل دفاعنا عن حق الحياة. لم يكن الخطأ الذى قتل نادين مجرد خطأ/ ولا مضاعفات عملية جراحية/ لكنه منظومة متكاملة من إهمال دكتور دلوعة استعان بمغرور، وكلاهما حول حلم نادين فى طفل إلى مأساة أنهت حياتها وحرقت قلوبنا. ... القضية الآن قيد التحقيق فى النيابة، وتم التحقيق مع الدكتور الدلوعة إسماعيل أبو الفتوح، والذى أخلى مسؤوليته وألقاها على سنده الجراح المغرور خيرى صابر، الذى قدم رواية عن قتل نادين ستكون دليل اتهامه.. غالبا. هناك شهادات من أطباء محترمين ومتخصصين لا يتعاطفون فقط مع مأساة نادين، لكنهم يدافعون عن مهنة الطب وعن حقنا فى الحياة.
وائل عبد الفتاح يكتب: ..كيف يقتلوننا ببرود؟
مقالات -
وائل عبد الفتاح