انتخابات الرئاسة المقبلة التى بدأت فعليا مع فتح باب الترشح منذ أيام قليلة، والتى تحسم بعد أقل من شهرين من الآن، هى واحدة من المعارك الفاصلة فى المرحلة الراهنة من عمر مصر وثورتها.
فإما تنزوى بمعزل عن الشعب لسنوات ويفقد المصريون مجددا فرصة سانحة لهم فى التطلع إلى مستقبل تأخر عليهم كثيرا، أو تتقدم مصر إلى مستقبلها المنير بشعاع ثورتها، وإما أن نعود سنوات إلى الخلف ونعيد الكرة مرة أخرى وكأن الوقت لا قيمة له لدى هؤلاء الساعين للعودة إلى الماضى، فيلتف حولهم كل أصحاب نفوذ الماضى وسلطته، أو تمتلك مصر وشعبها زمام الأمور وترفض السيناريوهات المرسومة لها والتى يعلم الجميع أنها حتى وإن نجحوا فى فرضها إلى حين فإنها ربما لا تستمر ولا تطاق طويلا رغم كل ما يحاولون زرعه من خوف وتردد وقلق فى نفوس وقلوب وعقول المصريين.
بهذه المعانى تعد انتخابات الرئاسة معركة مستقبل فى مواجهة ماضٍ، ومعركة طريقة تفكير سياسية فى مواجهة طريقة تفكير أمنية، ومعركة نظام يسعى للتبلور للتعبير عن أهداف الثورة فى مواجهة بقايا نظام يسعى لاستعادة نفوذه ومصالحه وسلطته، ومعركة أجيال ضحت وقدمت أنبل من فيها بدمائهم وأرواحهم فى مواجهة من عذبوهم وقتلوهم أو بالحد الأدنى صمتوا على ذلك، وهى كذلك معركة اختبار لقدرة قوى الثورة الحقيقية والجذرية على التوحد بدلا من التشتت، وصياغة القرار الأصح فى التوقيت الصحيح لا التخاذل عن المواجهة بحجة الكشف والفضح من خارج الملعب.
هذه معركة مستحقة، وواجبة، وضرورية، لا يليق فيها الانسحاب والابتعاد والتخاذل، ولا يتناسب معها التشتت والانقسام، فقد تبدو أحيانا المواقف المبدئية شديدة الصحة، لكنها قد تؤدى إلى أسوأ النتائج، وكما الطريق إلى جهنم مفروش بالورود، فربما الطريق إلى إجهاض الثورة مفروش بالمواقف المبدئية التى يظنها البعض كذلك فلا تؤدى إلا إلى نتائج كارثية.. ولا ندعو هنا لعصر ليمون ولا لتجميل وجوه ولا لمعارك شكلية، بل ندعو لخوض معركة تجدد الأمل وتمد الطريق إلى المستقبل وتخرج من حالة الإحباط وتثبت أن الثورة وقواها وجمهورها رقم صعب وفاعل وقادر فى معادلة هذا الوطن وسيناريوهات مستقبله، وبيقين فى القدرة على النصر وبرهان على وعى الشعب الذى ظلمناه كثيرا رغم انتصاره لنا دائما، فتخلوا عن موقع (إنا ها هنا قاعدون) وهلموا إلى أرض المعركة الحقيقية الفارزة، فحيثما وُجد الناس وُجدت القدرة على النصر، وحينما يبدو الصراع واضحا بين قوى وبقايا نظام مبارك وشبكات نفوذه ومصالحه فلا مكان لكل وطنى مخلص منتمٍ إلى ثورة يناير ومبادئها وأفكارها إلا فى خندق مواجهة هؤلاء وسيناريوهاتهم.
هذه معركة صناعة الأمل فى مواجهة سياسة استعادة الخوف، ومعركة تحول المسرحيات الهزلية إلى دراما إغريقية، ومعركة تجدد اليقين فى الشعب والرهان عليه بدلا من المتاجرة به وخداعه، هذه معركة فكرة لا شخص، معركة وطن لا تيار ولا حزب، معركة ثورة إما تنتصر أو.. تنتصر بعد حين.