فى إحدى مقالاتها، فى ملحق السينما الأسبوعى لجريدة «الحياة» العربية التى تصدر فى لندن، عرضت الناقدة السينمائية المتميزة ندى الأزهرى فى عدد الجمعة الماضى لما أطلقت عليه سجالاً حاداً بين النقد الفرنسى وموزعى الأفلام يدور هذه الأيام.
السجال بين أكبر شركتين للتوزيع فى فرنسا (جومون وباتيه) وبين نقاد جريدة (لوفيجارو)، وسببه النقد السلبى عن فيلمين كوميديين يحققان أعلى الإيرادات، والذى أدى إلى قرار الشركتين عدم دعوة نقاد الجريدة للعروض الخاصة التى تقام للصحفيين قبل بدء عرض الأفلام فى السوق.
العقاب حضارى، وفى رأيى الخاص أن الناقد لا بد أن يشاهد الفيلم لأول مرة مع الجمهور، وليس فى عرض خاص، طالما أن الفيلم سيعرض فى دور السينما. وقد وصلت إلى هذا الرأى عبر الممارسة منذ زمن طويل، ففى العرض الخاص لفيلم «شىء من الخوف» إخراج حسين كمال (1932 - 2003) عام 1968 تأثرت ومن حولى بمشهد أحمد توفيق فى النهاية، وهو يهذى وسط الحقول، وبمشهد محمد توفيق ويده مرتشعة عندما أجبره عتريس على توقيع عقد زواجه من فؤادة، وعندما رأيت الفيلم فى السينما انفجر الجمهور من الضحك فى المشهدين، وبالطبع الجمهور هنا على حق، والمخرج لم يوفق فى ضبط الأداء التمثيلى والحركة الداخلية للكاميرا والمونتاج، التى تحقق غرضه الأصلى، وهو التعاطف وليس الضحك.
القضية قديمة بين «الفنى» و«التجارى»، وأضع الكلمتين بين أقواس عن عمد، ويبدو أنها لن تنتهى أبداً. فمن البدهى أن «القيمة» لا تتوقف على كمية الجمهور الذى يقبل على الفيلم أو أى من أشكال الفنون والآداب، وبالتالى قد تكون هناك «قيمة» فيما نطلق عليه «تجارى»، أو عدم وجود أى قيمة لما نطلق عليه «فن».
«التجارى» يستسلم لما هو سائد محاولاً «ضمان» تحقيق إيرادات كبيرة، ومستهدفاً ذلك أساساً، أما «الفنى» فيعبر عن رؤية الفنان بأسلوبه متوهجاً إلى جمهوره المفترض، وليس إلى كل الجمهور بـ«ألف لام» التعريف. ولكن الغريب حقاً أن يهتم «التجارى» بالنقد ويسعى ليكون إيجابياً. لماذا لا يكتفى صناع «عبده موته» أو «شارع الهرم» بالإيرادات، وهنيئاً لهم. وحتى فى العالم الآخر ليس هناك اختيار بين الجنة والنار.