الغالبية ترفض ترشيح حمدين، بعض أنصاره ومحبيه يطالبونه بأن لا يشارك فى مسرحية يعرف الجميع أحداثها، ويطلبون منه أن لا يلعب دور «المحلل»، وأنصار السيسى يرفضونه لأنه تجرأ وترشح أمام الرمز، ويضعون الرفض فى إطار من السخرية المباشرة الفجة، ولا أحد يتعلم من أخطائه، فلا أنصار حمدين تعلموا أن الرفض والمقاطعة والانسحاب أفكار باتت مبتذلة، ولم تقدم للبلد ولا للثورة شيئا، ولا أنصار السيسى تعلموا أن كل من تمت السخرية منه نجح حتى وإن كان قد فشل فى استكمال المسيرة فى ما بعد، لكن السخرية لم تحل دون أن تتم الخطوة الأولى على الأقل بنجاح.
تبدو الأمور بالفعل فى سياق عمل مسرحى تجارى، وتبدو النهايات متوقعة مثل أفلام الأبيض والأسود، ولدى الجميع يقين ما أن العملية كلها تحصيل حاصل، وأنه لا أحد يتعامل مع السيسى كمرشح رئاسى بل كرئيس بالفعل، ولخّص ظهور السيسى فى خطاب الاستقالة والترشح أن الدولة كلها تحت أمره، وأنها هى «اللى بتكمل الجميل»، ويبدو السيسى محاطا بشرائح مختلفة تدعمه من بينها أصوات محسوبة على الثورة، ويتسابق الجميع فى الدعاية له على حسابهم مجاملة له، منها ما هو قائم على محبة فعلية مثل الدعاية البسيطة التى تعلقها المحلات فى كل مكان من سوق الاتنين إلى الصاغة، ويتبارى المنظّرون والخبراء والمحللون ليل نهار فى تأكيد الضرورة القصوى لانتخاب السيسى، وأن الأمر صار تكليفا وليس تشريفا، وأن المؤامرات والإرهاب والتربص الخارجى إلى آخره هى التى تجعل وصول السيسى إلى السلطة مهمة وطنية، وليست مجرد عملية انتخابية.
هذه ضغوط لا يتحملها أى منافس فى أى بلد فى العالم، ومن المستحيل أن تتهم المنافس فى حالة مثل تلك أنه «هيموت على الكرسى»، ومن المستحيل أن يزعجك ويستفزك إلا إذا كنت ترى فيه شيئا ما يعجبك، على الأقل إصراره على مواصلة السير فى طريق صعب.
شهادتى بخصوص حمدين مجروحة، لأننى دعمته فى الانتخابات السابقة، هذه المرة أنا لا أدعم أحدا، جزء منه إيمانى بـ«قدمى الفقر على مَن أدعمهم» «قائمة الثورة مستمرة، حمدين، الزمالك… إلخ»، وجزء منه شعور بالتخمة من فرط حماس سياسى لم يُفْضِ إلى شىء فى السنوات الثلاث الماضية، كما أننى لم أعد أنحاز إلى الأسماء، صار انحيازى إلى الأفكار، ومَن يتبناها أو يحسن إليها حتى لو لم أكن أطيقه على المستوى الشخصى أو النفسى.
لكن هذا لا يمنع أن أؤكد حق حمدين فى الترشح وخوض المغامرة، لأن هذا ما يفعله حمدين منذ عرفناه، يخوض المعارك دون أن يبالى إن كانت مسرحية أو حقيقية، ودون أن ينشغل كثيرا بالثمن من أيام الجامعة وحتى الآن، فلا يصح من أنصاره أو أنصار الثورة أن يدفعوه إلى الهروب من المعركة بحجة صورته الشخصية، فهذا أمر يخصه تماما ويحسب له أنه لم يتوقف عند حسابات صورته الشخصية وخاض المعركة، ووجود مرشح مدنى يتماسّ مع أفكار الثورة أمر مهم طوال الوقت فى كل انتخابات حتى لو كانت احتمالات نجاحه صفرا، لأن مشاركته فى حد ذاتها نجاح، مشاركة أصوات محسوبة على الثورة كما نعرفها هى إبقاء للفكرة الأم على قيد الحياة، حتى لو حصل حمدين على أصوات حملته الانتخابية فقط، حتى لو تعنت معه موظفو التليفزيون والشهر العقارى ورئيس الحى، لا بد أن يظهر فى كل مكان من يذكّر الناس بكلمة الثورة وسط استقتال الجميع على دفنها تماما، وهذا ما يفسر لماذا بعدما سخّر الجميع أنفسهم وأدواتهم لنجاح السيسى يحملون هَمّ حمدين.