فى بداية بزوغ نجوميته عقد عبد الحليم اجتماعًا ثلاثيًّا مع شريكيه فى المشوار محمد الموجى وكمال الطويل، واتفق الثلاثة على أن الخطر الحقيقى الذى يواجههم هو فى تربّص محمد عبد الوهاب، وأنه سوف يسعى لإحداث الفُرقة بينهم، وأقسموا على أنهم لن يسمحوا له، ربما تجد بعض المبالغة فى المشاعر التى تتوافق أكثر مع طبيعة الشباب، إلا أن الحقيقة هى أن عبد الوهاب كان ينظر بقدر من الترقّب وبعض التوجّس إلى هؤلاء القادمين، وروى لى الموسيقار محمود الشريف أن عبد الوهاب اتفق معه على أن يفتح النيران عليهم، وأنه سوف يدعم رأيه، وبالفعل عندما سألوه فى الصحافة ما رأيك فى ألحان الطويل والموجى لعبد الحليم، قال الشريف أوجّه إليهم رسالة واحدة «أيها النمل عودوا إلى جحوركم»، بينما سألوا عبد الوهاب فى نفس التحقيق فخذل الشريف قائلًا إنهم مجتهدون.
الذكاء هو الذى جمع بين عبد الوهاب وعبد الحليم، كل منهما قرر أن لا يبدّد طاقته فى معركة خاسرة، عبد الحليم أدرك أن غطاءً شخصيًّا وفنيًّا من عبد الوهاب يحقّق له الحماية ويضمن له الاستمرار، وعلى الفور نفَّذ له عقد بطولة فيلم سينمائى «أيام وليالى» بأجر قديم 200 جنيه فقط، بينما أجره كان قد ارتفع وقتها إلى 1000 جنيه بعد نجاح فيلمه الأول «لحن الوفاء»، ولكنه علم أن عبد الوهاب لن يقبل الزيادة فقدَّم له فيلم «أيام وليالى» بالعقد القديم، ووضع عبد الوهاب كل ألحانه، مثل «إيه ذنبى إيه» و«عشانك يا قمر» و«أنا لك على طول»، ولم يسمح بوجود ألحان للموجى والطويل، ومع الزمن صار عبد الحليم شريكه فى «صوت الفن»، فصار نجاح كل من عبد الوهاب وعبد الحليم يصب لصالح الآخر، إنها صفقة رابحة للطرفين، ورغم ذلك استمرت المسيرة بين الموجى والطويل وحليم، ولكن كيف كان يطل كل منهما على عبد الحليم.
الموجى والطويل مواليد 23 وعبد الحليم 29، أى الفارق 6 سنوات لا تتيح حتى الإحساس بمشاعر الأخ الكبير، ناهيك بالأبوة، إلا أن الواقع هو أنه كانت تلك المشاعر تسيطر على العلاقة، ربما زادت مساحة الأخوة لدى الموجى والتى تعنى النديّة، بينما زادت مساحة الأبوة عند الطويل والتى تسمح بالمغفرة، كمال الطويل بلغ حبّه لعبد الحليم أنه لم يكن يلحّن لمطربين رجال إلا فى القليل النادر، وعبد الحليم كان يعتبر أنه الوحيد الأحق بألحان الطويل، حتى إنه عندما قدّم الطويل لمحمد قنديل أغنية «يا رايحين الغورية» قبل بزوغ نجومية حليم، فوجئ الطويل أن حليم يتمكّن من تسجيلها بصوته، وبالطبع لم يعد أحد يتذكّر الآن «الغورية» إلا بصوت مطربها الأصلى قنديل.
كل من الطويل والموجى كان له أسلوبه فى التعامل مع عبد الحليم، هما شركاء فى النجاح، ولكن عبد الحليم كان فى كثير من الأحيان يشعر أنه عبد الحليم صانع النجاح، فهو فى كل أفلامه المسؤول الأول والأخير عن اختيار الأغانى، يرشّح الشاعر والملحن، وبينما طالب الموجى بزيادة فى أجره تتناسب مع زيادة أجر عبد الحليم، لم يشغل هذا الموقف كثيرًا كمال الطويل، كان الموجى محترفًا، ولهذا يصحو من نومه وتداعبه نغمة يريد توثيقها ولا نتصوّر أن حليم يستوعب كل ألحان الموجى الذى أنشأ مدرسة وقدم عددًا من المطربين، أمثال كمال حسنى ومحرم فؤاد وعبد اللطيف التلبانى وماهر العطار، وصولًا إلى هانى شاكر، ابن الموجى الموزّع وعازف الكمان الموهوب يحيى الموجى يقول معقبًا على ذلك، إن والده كلما حدث خلاف مع عبد الحليم أطلق مطربًا جديدًا، لا أراها بالضبط صحيحة، لكن من الممكن أن نقول مثلًا إن الموجى مثل كاتب عمود يومى متاح له النشر أسبوعيًّا فقط، بالتأكيد سيبحث عن مطبوعات أخرى للنشر، حتى ولو كانت أقل انتشارًا، وحليم على الجانب الآخر لن يغنّى فقط للموجى، لديه عبد الوهاب ومنير وبليغ وكمال، ثم إنه بطبعه مُقل، فكل رصيده لا يتعدّى 500 أغنية، بينما الموجى يقترب من 3000 لحن. الطويل كانت تتغلب عليه فى علاقته بعبد الحليم مشاعر الأبوة أكثر من الأخ، وفى العادة فإن الأب يغفر ويسامح، بينما الأخ يأخذ عادة حقّه وكثيرًا ما فعلها الموجى بعوده وألحانه.