عندما قرأتُ قرار وزير الأوقاف المصرى باستبعاد دولتَى تركيا وقطر من المشاركة قى المسابقة العالمية للقرآن بسبب موقفهما السياسى ضد مصر تذكرت موقفا عكسيا لمهرجان القاهرة عندما أعلن رئيس المهرجان الناقد الكبير سمير فريد أنه سوف يعرض الفيلم التسجيلى الإماراتى «أحمر أصفر أزرق» للمخرجة نجوم الغانم والذى يرصد حياة الفنانة التشكيلية الإماراتية نجاة مكى، فى المسابقة الرسمية للمهرجان بل وفى الافتتاح نظرا إلى موقف الإمارات المؤيد والداعم لمصر بعد ثورة 30 يونيو.
فى الحالتين هناك خلط ما بين السياسى والدينى والثقافى وهو ما يشكل خطورة شديدة. أتذكّر فى أعقاب ثورة 30 يونيو ومع زيادة مساحة الانتقاد لسياسة أردوغان حرص فضيلة الشيخ الإمام الأكبر إحمد الطيب على الاجتماع بالطلبة الأتراك الذين يدرسون فى الأزهر الشريف وطمأنهم على أنهم فى بلدهم الثانى لن يمسهم أحد بسوء. شىء مغاير حدث عندما رفعت الفضائيات المصرية الخاصة شعار «لا للدراما التركية» ردًّا أيضا على أردوغان ثم بعد ذلك أدركت أنها تعاقب مشاهديها فتراجعت عن القرار.
هذا هو الموقف الذى يجب أن نتبناه وفى جميع الأنشطة، وهو أن لا نخلط الأمور. الحقيقة أن مهرجان القاهرة بات فى مأزق بعد تصريح رئيس المهرجان، وهو ما دفع المتحدث الرسمى الكاتب الكبير خالد السرجانى إلى أن يسارع مؤكدا أن الفيلم الإماراتى سيعرض فى المسابقة لأسباب فنية ونفى عرضه فى الافتتاح. لقد وضع رئيس المهرجان بحُسن نية الجميعَ فى مأزق، فهو سرق الفرحة من مخرجة الفيلم الإماراتى عندما اعتبر أن الاختيار سياسى وبدد طاقة إدارة المهرجان فى محاولة لكى تنفى خبرا موثقا نشرته أكثر من جريدة.
المؤكد أن رئيس المهرجان انفعل أكثر مما ينبغى وهو بحكم خبرته العريضة فى المهرجانات يُدرك الخط الفاصل بين الثقافى والسياسى حتى ولو كانت بدايات المهرجانات الكبرى فى العالم مغموسة فى السياسة، وجاءت نقطة الانطلاق مثلا بدعم من موسولينى الفاشستى عام 32 بمهرجان «البندقية» فينسيا، وكان ينبغى أن ترد فرنسا التى تمثل واحدة من دول الحلفاء بإقامة مهرجان «كان» الذى أدت الحرب العالمية الثانية إلى تأخر انطلاقه حتى عام 1946، ورغم ذلك فلقد تحررت المهرجانات مع الزمن من تلك القيود السياسية، وبالمناسبة أنا شاهدت الفيلم الإماراتى فى مسابقة مهرجان دبى العام الماضى وهو فيلم تسجيلى جيد ويستحق المشاركة لأسباب فنية بحتة، إلا أنه وفى حدود علمى لا يجوز أن يشارك طبقا للائحة مهرجان القاهرة هذه الدورة رسميا لأنه شارك رسميا فى مهرجان آخر إلا إذا كانوا قد غيروا اللائحة. أقدّر بالطبع أن رئيس المهرجان يريد توصيل رسالة سياسية إلى الجميع هنا وهناك ولكنه فى الحقيقة أخطأ فى التوقيت، فهو بقدر ما يجرح السينما الإماراتية يجرح أيضا مهرجان القاهرة.
مثلا مهرجان «كان» فى عام 2011 شهر مايو حيث الموعد الدائم للمهرجان عندما قرر دعم ثورات الربيع العربى أقام احتفالية على الهامش للسينما المصرية والتونسية وعرض فيلمَى «18 يوم» المصرى و«لا خوف بعد اليوم» التونسى فى احتفال خاص، كما أن تظاهرة هامشية أخرى وهى سينما «البلاج» عرضت فيلم «صرخة نملة» ولم يَقُل أحد إن المهرجان قرر مجاملة الثورة فى البلدين. فى 2012 بمهرجان «كان» عُرض فيلم «بعد الموقعة» ليسرى نصر الله، والمقصود موقعة الجمل، ولم يقل أحد إن الفيلم تم اختياره لأسباب سياسية، رغم أن مصر غابت 16 عاما عن المسابقة الرسمية لـ«كان» بعد فيلم «المصير» ليوسف شاهين، فلا أحد من الممكن أن يهين مهرجانا ويهين فنانا سينمائيا عندما يعلن أن الاختيار الرسمى يحمل موقفا سياسيا.
الأمر فى الحقيقة يحتاج إلى مراجعة وتدقيق خصوصا أن المهرجان ولا شك يحمل هذه الدورة طموحا كبيرا، وشاركت أطراف أخرى فى المهرجان مثل نقابة السينمائيين وجمعية النقاد ومعهد السينما.
عندما طلب منى رئيس المهرجان المشاركة فى لجان الاختيار والسفر على حساب مهرجان القاهرة إلى «كان» أرسلت إليه خطابا يتضمن الشكر والاعتذار أيضا، ولا يعنى هذا أنه ليس من حق الزملاء الأعزاء المشاركة فى إدارة المهرجان فهو عمل مشروع ولكن من حق البعض أيضا أن يُطلّ على المهرجان من زاوية مغايرة.