تحالف قطرى تركى للقضاء على الدراما المصرية
أحمد حسن30 مارس 2014 09:06 م
الإدارة فن.. والقيادة موهبة.. والضمير نعمة من الله لم ينعم بها على كثير من قيادات ماسبيرو.. فبعد ثورة 30 يونية بدأت الآمال والطموحات تنتعش من جديد بعودة الإنتاج الدرامى المصرى إلى صدارة السوق العربية، لكن أحبط هذه الطموحات الوليدة الاعتماد فقط على إنتاج القطاعات الخاصة ورجال الأعمال خلال الثلاثة أعوام الماضية، والتى لن تستطيع مهما قدمت أن تجعلك على قمة عرش الإنتاج الدرامى لعدم توافر الإمكانيات الطافية، التى تحصل عليها عادة قطاعات الإنتاج الحكومى التى تحصل على دعم الدولة، وبسبب أيضًا قلة الخبرة الإدارية والبطء فى اتخاذ القرار وتطور مستوى المنافسين. كل هذه الأسباب جعلت الرياح تأتى بما لا تشتهى السفن المصرية، وتذيلت مصر قائمة الدول المنتجة للدراما فى الوطن العربى، بعد أن كنا طوال التاريخ فى الطليعة.
تحالف تركى سورى
القنوات المصرية الحكومية والخاصة لم تستطع منافسة قوة الأتراك الدرامية بفضل ما تحققه من مشاهدة عالية ومكاسب خيالية من الإعلانات ، فلم تستطع قنوات مثل النهار والـ «CBC»، والحياة وغيرها الاستمرار فى قرار مقاطعة الأعمال التركية بعد ثورة 30 يونيه نظرًا للتدخل السافر الذى تبديه إدارة أردوغان فى الشأن المصرى، ورغم الشعارات الوطنية التى رفعتها هذه القنوات وقتها إلا أن المصالح الشخصية جعلتهم يعملون بمنطق «اللى تكسب به العب به»، وعادوا مرة أخرى للمسلسلات التركية مضمونة النجاح.
قوة هذه الأعمال ودرجة الإبهار التى تقدمه جعلتنا نترك الشاشات بلا منافسة حقيقة للدراما التركية لتفعل بنا ما تشاء، بل واستطاعت بفضل التحالف السورى - رغم ما تمر به سوريا من حروب أهلية - أن تسحب البساط من تحت أقدام الدراما المصرية على مرأى ومسمع من قيادات ماسبيرو، التى لم تحرك ساكنًا، وكأن القضية لا تهمها، بل اكتفت برفع الراية البيضاء فى إشارة واضحة للاستسلام والخضوع بشكل واضح، تجلى فى قيام شاشات الإعلام المصرى خلال 3 أشهر فقط من يناير 2014 إلى مارس، بشراء مسلسلات بمبالغ تعدت ال 52 مليون دولار !!
بهذا الأسلوب احتلت تركيا مساحة كبيرة من عدد ساعات الإرسال التليفزيونى فى مصر، وتعمد الجانب التركى رغم الخلاف السياسى مع سوريا الاستمرار فى تعاقداتها لدبلجة المسلسلات باللهجة السورية، معتبرين أن هذا هو سر نجاحها فى غزو البيوت المصرية والاستحواذ على مساحة كبيرة من آذان المشاهدين فى الوطن العربى.
كان أول المتسللين إلى خلف خطوط الدراما المصرية هو مسلسل «مهند»، بعدها بدأ توغل كتائب الأعمال التركية مثل مسلسل «فاطمة» الذى حصد عند عرضه إعلانات بمبالغ تجاوزت 110 ملايين جنيه مصرى، ومن أجل إحكام السيطرة على الإعلام المصرى قامت بتطوير الهجوم عن طريق عرض مسلسل «لعبة الحب» الذى يحظى بنسب مشاهدة عالية. ومن أجل إعلان القاهرة منطقة ذات نفوذ تركى قامت بنشر أسلحتها الثقيلة مسلسل «حكايات سمر»، ومسلسل «نور» وعرض مسلسل «عودة مهند»، كما نشاهد عرض مسلسل «القبضاى» على «CBC»، وأعمال أخرى على قنوات النهار، تبعًا للخريطة البرامجية كل قناة، لنقضى بذلك على آخر أمل للدراما المصرية فى الهجوم المضاد.
خطة طويلة المدى
المخطط الإعلامى الكبير فى المنطقة هدفه الأكبر إخراج مصر من مكانها الكبير تليفزيونيًا وفنيًا وفضائيًا، لهذا سنجد الاتفاق بين كل من تركيا وقطر على عمل انقلاب سلمى فى المنطقة لتغير خريطة الدراما فى الوطن العربى ليتولى الأتراك سد هذا الفراغ لعشرات السنوات القادمة، ساعدهم على ذلك سواء بقصد أو بدون قصد الفشل الإدارى لبعض قيادات ماسبيرو، ومعهم تخبط قيادات الجهات الإنتاجية الحكومية الثلاث ( قطاع الإنتاج - صوت القاهرة - مدينة الإنتاج الإعلامى)، فتم تهميش الإنتاج الدرامى بقطاع الإنتاج منذ 3 سنوات، وحتى لحظة كتابة هذه السطور لم نتأكد من مشاركة القطاع فى سباق رمضان القادم بأعمال من إنتاجه، وبهذا يخسر الإعلام المصرى أكبر سوق درامية فى العام، رغم أنه يبحث عن فرصة أخيرة للعودة إلى السوق.
وزيرة الإعلام درية شرف الدين منحت أستاذها العائد من الماضى حسن حامد مسئولية أكبر كيان إنتاجى فى العالم العربى ( مدينة الإنتاج الإعلامى ) لتقضى بذلك على الأمل الأخير لهذا الكيان العملاق فى المنافسة، فالمدينة فى عهد حامد لم تنتج أعمالًا درامية قوية تستطيع الصمود أمام الطوفان القادم لنا من سوريا وتركيا بل زاد الطين بلة أن المدينة قد تتوقف على الإنتاج من الأساس هذا العام، أو على أحسن تقدير أن تشارك فى إنتاج مسلسلات دون المستوى. مما يجعلنا ندخل سباق البقاء ونحن مبتورى الساقين لمجرد أن الوزيرة تريد مجاملة حسن حامد على حساب سمعة مصر الدرامية فى الوطن العربى، أما حال صوت القاهرة فلا يختلف كثيرًا، بعد أن توقفت الشركة عن استكمال أعمالها منذ العام الماضى، وهو الأمر الذى يجعلنا نعتمد مرة أخرى على الإنتاج الخاص الذى يتم بمعايير لا تصلح للدفاع على عرش الدراما فى الوطن العربى.
أمن قومى
لم تكتف قيادات اتحاد الإذاعة والتليفزيون الحالية بالقضاء على ريادة مصر الدرامية، وترك المجال لتركيا وسوريا بالتربع على قيادة المنطقة دراميًا لأعوام كثيرة قادمة، بل تركت القمر الصناعى المصرى «نايل سات» بدون تطوير إدارى يجعله يحافظ على مكانة مصر الفضائية، وهو ما أعطى القطريين فرصة إطلاق قمرى سهيل 1 الذى يحمل 1500 قناة يبارز بها النايل سات، وبهذا تظهر ملامح الاتفاق التركى القطرى، والذى يقضى بأن تغزو تركيا وسوريا بيوت المشاهدين المصريين بالمسلسلات، بينما تحتل قطر سماء الوطن العربى بالأقمار الصناعية الحديثة.
خطة قطر لغزو فضاء المنطقة لن تتوقف عند هذا الحد، خاصة فى ظل غياب واضح لوزارة الإعلام المصرية وانشغال وزيرة الإعلام باللائحة المالية ومحاولة الإبقاء على منصب لها فى المجلس الوطنى القادم، حيث قررت قطر إطلاق قمر صناعى جديد ضمن مؤسسة سهيل سات فى الفترة بين نهاية عام 2016 وبداية 2017 سيحمل رقم سهيل 2.
القمر الجديد ينتظر أن يعمل بطاقة تصميمية أكبر لاستيعاب قنوات أكثر ووفق أمن وجودة أفضل، وقد تقدمت العديد من القنوات الخليجية والعربية بالفعل بطلبات الاستفادة منه وبث إرسالها من خلاله، مما يتيح من القدرة التنافسية فى السوق الإقليمية و المزيد من الخيارات أمام القنوات التليفزيونية.
على نفس النسق قررت تركيا وإيران دخول السباق الفضائى ب3 أقمار جديدة للقضاء على آخر أمل لدى النايل سات فى الحفاظ على مكانته التنافسية، وذلك بسبب غلق إدارة النايل سات قناة العالم الإيرانية وتهديداته بغلق قناتى الجزيرة والمنار لما يمثلانه من تحريض ضد الدولة المصرية.. القمر المصرى لن يخسر فقط إيجار القنوات التى ستنتقل للأقمار الأخرى بسهولة، بل سيخسر نفوذًا واحتكارًا إعلاميًا فضائيًا عمره 14 عامًا، وذلك بعد أن تقرر إطلاق قمر إيرانى تحت مسمى وعد 1 ووعد 2، فى حين قررت تركيا إطلاق القمر الصناعى الجديد يوسات 4 بنهاية عام 2017 على نفس مدار النايل سات 7 غربًا، مما يزيد من التنافسية، خاصة مع انخفاض سعر تكلفة حجز قناة فضائية فى هذه الأقمار الجديدة التى لا تتجاوز 10 آلاف دولار، مما يعنى سحب البساط الفضائى من تحت إقدام مصر لعقود طويلة، إلى أن يأتى على مقاعد السلطة فى ماسبيرو قيادات تستطيع التصدى لهذه المعارك الكبرى.