أخيرا أعلنها المشير عبدالفتاح السيسي واضحة صريحة.. استقالته الرسمية كوزير للدفاع وخلع بزته العسكرية والانضمام إلى صفوف المواطنين، ومن ثم ترشحه لرئاسة الجمهورية، ربما وهو يعلن هذا الخبر المتوقع تلبية لرغبة الجماهير المنتظرة، كان مفعما بالحزن لا الواثق من فوزه المحصن بثقة شعبه التي يغلب عليها العاطفة، فبدا متمنيا اجتياز التجربة بنجاح يحقق فيها آمال البسطاء لأنها خطوة أقرب إلى الانتحار الطوعي، فطبيعة المرحلة المرتبكة والشائكة التي تعيشها البلاد تنوء بحملها الجبال، الحمل ثقيل والتركة خربة وكرسي الحكم ليس نزهة للجالس عليه، الناس في حالة تعطش للأمان الذي افتقدوه والاستقرار الذي يبتغونه، والعدالة الاجتماعية التي خرجت من المعادلة طوال السنوات الثلاث الماضية لأنها كانت بين أنياب المتصارعين والمزايدين والمتآمرين.
شغف المواطنين وطول انتظارهم لهذا القرار المصيري تحول إلى عرس جماعي في الشوارع والميادين بمجرد إعلان السيسي عن قبول التحدي والمهمة الصعبة التي تنتظره داخليا وخارجيا فهل يتحملون بدورهم أوزار هذا الاختيار ويراهنون عليه مهما طال وقت الحصاد؟ فهو مطالب بإرساء قواعد الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتحقيق الأمن والاستقرار المجتمعي في الداخل، ومطالب أيضا بمواجهة أعداء الدولة والإرهاب الذي يضرب البلاد وأمنها واقتصادها وسيادتها في الخارج، غير أن ما يطمح له الناس من المنقذ متجسدا في صورة السيسي سيكون هو الاختبار الحقيقي لصبر وقدرة الشعب على تفهم المرحلة المقبلة وثباته تجاه الإخفاقات المتوقعة، فليس هناك من عصا سحرية تشق الأرض فيتمخض عنها الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي وتتحقق معالم الديمقراطية والحريات بمفهومها الواسع في زمن قصير.
كيف سيواجه السيسي التحديات المقبلة وبالذات الإرهاب الداخلي في سيناء؟ وكيف سيواجه الألغام التي يضعها في طريقه التنظيم الدولي للإخوان؟ وكيف سيواجه المؤامرات الدولية وعلى رأسها العراقيل الأمريكية المتعمدة لإفشاله؟ كيف سيواجه معارضة متحفزة وملفات معقدة وإرهابًا منظمًا؟ وقبل كل شيء النهوض بالبلاد من كبوتها الاقتصادية الطاحنة التي عصفت بكل مؤسساتها وأثرت سلبا على حياة المواطن في لقمة عيشه وصحته وتعليمه، وفسادا ضرب جذور النشأة فتسوست الأعواد وتهاوت الأساسات؟؟ .. كيف سيواجه كل ذلك؟!
إذا جوبه بنفاد صبر مبكر وتأفف لا يعرف حدود الكارثة المحيقة بالبلاد، فإن مصيره محكوم عليه من الآن.. الإخفاق في احتواء الأزمة الشاملة والارتباك في اتخاذ القرارات المصيرية لأنها ستكون تحت وطأة السياط التي تجلده في كل لحظة. البلاد في مرحلة مخاض بحاجة إلى زعيم قوي وقائد مغوار، لا يشق له غبار يعرف أدوات اللعبة وكيف يوظفها ويستقطبها للصالح العام، يسانده شعب وجيش قوي يستطيع من خلالهما التصدى للمؤامرات ودرء الاعتداءات ومحاربة الإرهاب الذي توحش في الآونة الأخيرة.
وهو مطالب أيضا بفرض هيبة الدولة، فمن حق المواطن أن يشعر أن ثمة تغيرًا بدأ يشق طريقه للنور، في لحلحة الركود الاقتصادي الذي يعصف بالجميع والبطالة التي تهدد استقرار الوطن، والأمن المفقود الذي تهاوت معه كل القيم المجتمعية، لسنا مسرفين بالتفاؤل لدرجة نتوقع فيها أن وجود السيسي على رأس السلطة هو الحل السحري لأزمات عصفت ومازالت تعصف بنا لأكثر من ثلاثين عاما، لكنه الأمل الذي يحدونا منذ فقدنا اليقين برغد العيش، يتوغل في أعماقنا إحساس قوي أنه من حقنا أن نرفل بالحرية والعدالة الاجتماعية ونشعر بالأمان والاستقرار ومباشرة حقوقنا السياسية والديمقراطية، ونتطهر من الفساد الذى عصف بحياتنا وأصبح أحد مكوناتنا الأساسية ولا يزال.