الحقيقة، ليس أسوأ من الجنان الرسمى إلا ادعاء واصطناع العقل والحكمة بالكذب والنصب، وأظن أن أغلبنا ما زال يتذكر كيف عشنا ثلاثين سنة سوداء يحكمنا نظام المخلوع أفندى وولده ويحرس حبستنا فى زنزانة «الحكمة» تلك، وكيف ظل مجتمعنا يكابد تحت وطأة هذه الحكمة خليطا من اللصوصية والجمود القاتل والخراب المستعجل، بينما أبواق النفاق وقطعان المزورين المدلسين ينعقون ليل نهار بأن الرجل بحمكته «يختال» أو «يحتال» علينا «مع الاعتذار للفنانة شويكار»، وظلوا يُعيِّروننا بأن كل خواجات الدنيا لا ينامون الليل قبل الإشادة بحكمة جنابه، وأن هؤلاء أصابهم العمى فلم يبصروا تلال البؤس والغلب وقلة القيمة، وإنما راحوا يحسدوننا على أن الأقدار السوداء أهدتنا «حكيم الغبرة»، وأقعدته فى القصر الرئاسى بدل أن يعمل فى مستشفى قصر العينى!! غير أن المخلوع انخلع بثورة شعبية عارمة انتهت بعد عملية «نشل» تاريخية ناجحة إلى قيام عصابة سرية فاشية بوراثتنا من مبارك عوضا عن نجل هذا الأخير، وإذ حكمتنا هذه العصابة الإخوانية حكما أشد سوءا وأكثر فسادا وأبشع إجراما من النظام الذى ورثته، فقد عاد الشعب وثار ثورة أسطورية هائلة أسقطت إخوان الشياطين من التاريخ والجغرافيا، وأرسلتهم فى ستين داهية على الأقل، ومع ذلك بقى قطيع «الحكمة» المصطنعة يقرفنا ويحتال وينصب علينا وعلى أهالينا، ورأسه وألف حذاء قديم أن لا يكف أو يتوب عن الضرر والأذى، الذى من أحط آياته هذا الضجيج التافه، وتلك الهلفطات التى لا معنى لها إلا أن يركع شعب مصر ويستسلم للعصابة وأتباعها القتلة، مقابل أن يتعطفوا ويتكرموا ويتوقفوا عن العربدة والإرهاب والتخريب والإجرام!! والحال أن لا شىء الآن يثير أعصاب العبد لله أكثر من أن أسمع نطعا من هذا القطيع وهو يتفتف ويهرتل على شاشة تلفاز، لابسا ثوب الحكمة الشفتشى، أو أقرأ سطورا سودها أحدهم فى زاوية بصحيفة عشش فيها، ناعيا علينا أننا لا نسعى لمحاورة أو «مصالحة» عصابة المجرمين، ومستنكرا أن المصريين باتوا «يشيطنونها» ويدخلونها فى زمرة العفاريت الزرق!! ولست أدرى إن كان مصدر استنكار الأنطاع هؤلاء هو رقة قلوبهم وإشفاقهم على الشياطين والعفاريت، لأن من الظلم وعدم الإنصاف وضعهم فى سلة واحدة مع العصابة الإخوانية، أم أن الأنطاع قساة عتاة تجردوا من كل إحساس أو ضمير، حتى إن بصائرهم العمياء فقدت القدرة على تلمس بشاعة أفعال واطية وارتكابات سافلة وجرائم يندَى لها الجبين، ربما يخجل وتعف نفس الشيطان الرجيم شخصيا عن تقليدها أو الإتيان بمثلها. أنا شخصيا أتردد كثيرا فى وصف جرائم عصابة الإخوان وتوابعها بأنها أعمال شيطانية، إنصافا للشياطين والعفاريت الغلابة!! و.. أختم بمقطع من بيان ركيك شنيع ومتفوق فى النصب والخبل والجنان أصدرته عصابة الشر الإخوانية يوم الخميس الماضى، وقالت فيه بالنص والحرف: إن «ولاء كثير من العامة (تقصد الشعب المصرى) تحول من الخضوع لله مصدر الرسالة والحق، إلى الخضوع للأشخاص الذين يتحكمون بمقتضى السلطة، فيرضون (أى هؤلاء العامة) بالتنازل عن إرادتهم الحرة، بدلا من التوجه بالدفع فى نحر الظالم ومدافعة المستبد ليقلع عن ظلمه واستبداده».. يعنى باختصار، الشعب المصرى صبأ وكفر ويستحق من العصابة أن تعلمه الأدب وتموته بالقنابل والرصاص، أو من الضحك!!
جمال فهمي يكتب: دفاعًا عن الشياطين الزرق
مقالات -
جمال فهمي