يتساءل الكثيرون عن مفهوم الدولة العميقة وما هو المقصود به. الدولة العميقة- فى تقديرى- هى مجموعة أصحاب المصالح التى تكونت فى مصر خلال التسعينيات من القرن الماضى، وتوحشت فى العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وهى تحالف من بعض رجال أعمال فاسدين مع بعض محترفى السياسة بغرض التهليب، وهى المجموعة التى التفت حول جمال مبارك، واعتبرته الزعيم الملهم، وساند هذه المجموعة بعض الضباط من أمن الدولة، والمفروض أن وظيفتهم الأساسية هى حفظ أمن مصر من المخربين والجواسيس والمحافظة على المال العام ومساعدة الدولة فى اختيار الأنسب والأقدر والأكثر أمانة فى الوظائف العامة، فتحول هذا الجزء إلى أداة لتعذيب المنادين بالحرية وقهرهم، ووصلت سلطة أمن الدولة لدرجة أنها كانت تأمر مديرى الهيئات الحكومية ورؤساء الجامعة، وتتحكم فى كل صغيرة وكبيرة فى مصر، وكان أصغر ضابط أمن دولة يستطيع أن يطيح بأستاذ كبير. هذا الخليط من الفاسدين الاقتصاديين والفاسدين السياسيين وأمن الدولة هو المكون الرئيسى لما يسمى الدولة العميقة التى عذبت شباب المصريين وقتلت البعض منهم، وأفسدت الجامعات والبنوك والمصالح، وأدت إلى ثورة 25 يناير التى قضت على مبارك وعائلته، الذين تصوروا أنهم امتلكوا مصر إلى الأبد، هذه المجموعة هى التى قضت على النمو والتطور الطبيعى للحياة السياسية فى مصر، وذلك بمنعها تكوين الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية القوية، وأدى ذلك إلى أن أصبحت الساحة مفتوحة لحزب واحد وهو «الإخوان المسلمين»، وأصبحت مصر بين ديكتاتورية مبارك وأباطرة أمن الدولة ومجموعة الفاسدين من ناحية وبين فزاعة الإخوان من ناحية أخرى، وهكذا قتلوا مصر اقتصادياً وسياسياً.
أعتقد أن لقب ما يسمى «الفلول» قد ذهب ولن يعود. رجال السياسة فى عهد مبارك كانوا نوعين: الأول هو الفاسد والمفسد والذى دمر الحياة السياسية فى مصر، ولن يسمح له بالعودة تحت أى مسمى، ومجرد ظهور أحد هؤلاء كمرشح فى برلمان قادم يعنى دعوة للشعب المصرى للقيام بثورة جديدة، ولذا وجب على الدولة الحالية أن تكون مصحصحة لأن هؤلاء الفاسدين يدعون أنهم المؤيد الرئيسى للجيش، وأن بقية الشعب هم طابور خامس، أما بقية السياسيين فى عهد مبارك الذين لم يفسدوا ولم يستفيدوا وإنما اضطروا لدخول السياسة من باب الحزب الوطنى حفاظاً على مصالحهم، ولأنه كان الباب الوحيد المتاح للعمل السياسى، فأهلاً بهم ومرحباً، فهم مواطنون محترمون وينورون الحياة السياسية فى مصر.
أما أمن الدولة، الذى عاد تحت مسمى آخر حتى ينسى الشعب الكوارث والمصائب التى تسبب فيها، فعليه أن يعلم جيداً أنه جاء للحفاظ على أمن دولة مصر بتقديم تقارير حقيقية موثقة عن أى مخاطر تتعرض لها دولة مصر، وأنه ليس من وظائفه أن يقوم بحبس مواطنين محترمين فى غرف تحت الأرض فى لاظوغلى أو فى مدينة نصر أو 6 أكتوبر، ولا تعذيبهم ولا تخوينهم، وليس له أن يتدخل من بعيد أو قريب فى عمل عميد كلية أو رئيس جامعة.
للأسف الشديد أن الدولة العميقة تشعر بطمأنينة شديدة بأن أيامهم قد عادت، وأن سلطتهم فى الطريق، وأن رجال أعمالهم الذين صنعوا ثروات هائلة بطرق غير قانونية سوف يمولون الصفقات السياسية تحت حماية أمن الدولة.
يجب أن يعلم النظام الحاكم جيداً أن مصر الآن هى مصر أخرى، وأن الشعب المصرى الذى اكتسح نظام مبارك ونظام الإخوان هو شعب غير خانع وغير خائف، وسوف يأخذ حقه بيده إذا لم يصل إليه هذا الحق.
يشعر الجميع بأن هناك الكثير من التساهل مع هذه المجموعة التى قد تذهب بمصر فى ستين داهية لو استطاعت أن تصل إلى منطقة النفوذ، وأنه ربما تستطيع أن تقنع من بيده الأمر بوضع نظام انتخابى يعطيها وضعا مميزا. يا سادة علاقة الجيش مع الشعب متميزة الآن بعد مساندة الجيش للشعب فى 3 يوليو، وشعبية السيسى هائلة، ولكن دعنى أذكركم بأنه بعد 25 يناير كانت شعبية الجيش والمجلس العسكرى أيضاً فى السماء، لأن القوات المسلحة أيدت الشعب فى ثورته، ولكن أخطاء صغيرة كبرت مع الوقت أدت إلى غضب الشعب من الجيش، وأدى ذلك فى النهاية إلى تسليم السلطة لأكبر جهاز ظلامى فى الدنيا.
كل المسؤولين فى مصر من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء وقادة الجيش ولجنة الخمسين يجب أن يعرفوا أن الوطن فى خطر داخلى وخارجى داهم، وعلينا جميعاً أن نختار طريق السلامة الذى يحفظ شعب مصر وجيشها، ونبتعد عن الذى يأخذ بالوطن إلى المخاطر. فحذارى وحذارى لأننا لا نستطيع أن نتحمل ثورة ثالثة.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.