وكما تحدثنا فى المقال السابق وبعد إبلاغ الطبيب لنا بوفاة شريف وما هى إلا لحظات وتم نقل جثمان أخى الصغير شريف إلى ثلاجة مستشفى المعادى وجاء دورنا لنلقى عليه نظرة الوداع قبل أن يغسل ويكفن كانت أصعب اللحظات فى حياتى وحياة والدى كانت لحظات قاسية صعبه لكنها مرت كما تمر الأزمة الطويلة علينا كأنه كان كابوسا يدور بخلدى وما هى إلا دقائق وكنا نسير بسيارة الإسعاف متجها إلى المقبرة التى كان قد بناها أبى منذ عام وكنت أذهب إلى هذه المقبرة أنا وأخى شريف وندخل فيها ونذهب إلى أسفل هذه المقبرة داخل إحدى العيون ونلعب ونسأل البعض كيف يتم وضع الميت فى تلك المقبرة كنا نأخذ الموضوع بمزاح شديد ولم أكن أدرى أنه بعد شهور قليلة سوف يكون أخى شريف أول من يدخل هذه المقبرة.. ودعنا شريف فى المقبرة والتى ظلت مغلقة عليه طيلة ثلاثين عاما خرجنا من المقبرة الأم مكلومة والأب مجروح والابن الذى فقد الصديق الوحيد ولم يبق أمامه إلا صديق آخر
.. صديق آخر سوف تثبت الأيام أنه كان الصديق الوفى فى حياتى عدنا إلى منزلنا وقد تبدل حالنا والأسرة اهتزت جناباتها وتحول البيت السعيد إلى بيت حزين، المعزون فى كل مكان ولا أجد أمامى إلا صورة صغيرة أبيض وأسود التقطت لأخى أنظر اليها وكأنه مازال حيا على قيد الحياة ومرت الأيام ويحاول أبى أن يبدو صلبا يحاول أن يتماسك يحاول دائما أن يطبطب على كتف أمى وكتفى عندما نتذكر لحظات عشناها سويا مع شريف لكن جاءت اللحظة الصعبة فى ليلة من الليالى فى الساعة الثالثة فجرا وفتحت على أبى غرفته ورأيته ممسكا بكراريس شريف أخذ يقرأ فيها يتصفحها.. يتصفح خط يد نجله الذى فقده، يتصفح الرسومات التى كان يرسمها والألوان التى كان يجيد الرسم بها والدموع تنساب من عينيه، تتساقط على ورق الكراريس يتذكر نجله الذى فقده والذى يحاول أن يبدو أمام الرأى العام وأمام الناس وأمام حتى أسرته الصغيرة قويا ثابتا ولكنه فى الحقيقة كان ضعيفا كان واهنا كان مؤمنا أيضا بقضاء الله ومنذ تلك اللحظات ابتدئ مشوار جديد فى حياتنا لم نكن نعرفه من قبل وكانت البداية زيارة إلى الكعبة المشرفة وزيارة قبر الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام لأداء العمرة وكانت نصيحه من احد المشايخ الذى قال لنا سافروا إلى اداء العمرة حتى تشعروا بالراحة والاستقرار وكانت هذه البداية لرحلة لم تنقطع لأبى وأمى عن بيت الله الحرام.. وللحديث بقية مع صديق العمر.