بعد عشرة أيام من تصويت المصريين على دستور البلاد الجديد، أبى المنحرفون إلا أن تكون دولة الاستبداد واضحة جلية بكل فجاجة: «الدستور والقانون ما هما إلا حبر على ورق، والسيادة والقرار كان لنا وسيعود كذلك»، وتناسوا أن هناك ملايين المصريين خرجوا من منازلهم واصطفوا فى طوابير للموافقة على الدستور الذى ظنوا أنه سيحفظ لهم حقوقهم.
ألم تنص المادة 52 من الدستور الذى صوت عليه المصريون بنعم على أن: «التعذيب بجميع صوره وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم»، وفى ذات الوقت هناك العشرات من المتهمين تم تعذيبهم وصعقهم بالكهرباء ـ طبقاً للوارد بتحقيقات النيابة العامة ـ فى سجن أبوزعبل وقسم الأزبكية؟ وأن من تم تعذيبهم قام أحد ضباط الشرطة بتهديدهم بمواصلة تعذيبهم بمجرد عودتهم له؟
هل تعلم عزيزى المصوت بنعم أن الفقرة الثانية من المادة 54 من الدستور الذى وافقت عليه تنص على أن: «يجب أن يُبلّغ فوراً كل من تُقيد حريته بأسباب ذلك، ويُحاط بحقوقه كتابة، ويُمكّن من الاتصال بذويه وبمحاميه فوراً»، وهل عرفت أن هناك عددا من المحامين توجهوا للسؤال عن بعض المقبوض عليهم عشوائياً بأحد الأقسام، فتم رفع الأسلحة فى وجوههم وهُددوا من قبل قوة القسم بأنهم إن لم ينصرفوا حتى عدد ثلاثة سيتم قتلهم واتهامهم بمحاولة اقتحام القسم؟ فاضطروا لترك من وُكلوا للدفاع عنهم كى لا يُقتلوا. الحقيقة أنك إذا لم تدافع عن صوتك الذى أعطيته لصالح هذا الدستور من خلال التمسك بتنفيذ مواده، ومعاقبة من اخترق هذه القواعد وأهدر صوتك الآن وليس غداً، لن تجد من يُدافع عنك حينما يأتى دورك لتكون ضحية عدم تنفيذ القواعد، فلا تسمح للجلادين أن يفلتوا من العقاب حتى لا يزداد الاستبداد حتى يصل إليك أو لأحد أبنائك. هل يعلم رئيس الجمهورية المؤقت وأعضاء حكومته وأعضاء الجمعية التأسيسية للدستور، أن صمتهم عن تجاوز المنحرفين من العاملين بأجهزة الدولة الذين يكسرون الدستور يعنى إسقاط هذا الدستور عملياً قبل مرور شهر من إقراره، كيف يطلب أى منكم من المواطنين احترام دستور كنتم أول من تواطأ على كسره؟!
الدستور هو العقد الاجتماعى الذى ينظم علاقة الدولة بالمواطنين وحقوق وواجبات المواطنين تجاه بعضهم وتجاه الدولة، فإذا أخلّ الطرف المنوط به ضمان تنفيذ العقد، لا يمكنه أن يطلب من باقى الأطراف الالتزام بما لم يلتزم هو به، فلا تطالب الآخرين بالالتزام بهذا العقد الاجتماعى وأنت متهم بالتواطؤ مع الجلادين ليفلتوا من الحساب.
إلى كل منحرف قام بتعذيب المواطنين المصريين، أياً كان مبرره، التعذيب جريمة لن تسقط بالتقادم، وستدفع حساب ما اقترفته يداك ثقيلاً، هل تذكر أن المصريين أعلنوا غضبهم ضدك وثاروا لإسقاط النظام الذى يحميك يوم احتفال المصريين ببسالة رجال انتميت إلى مهنتهم فوصمتها بالعار؟ هل تذكر يوم أن كنت تهرب من المواطنين، واضطررت لخلع بدلتك الميرى ـ التى طالما أسأت لها باستغلالها عنوانًا لسلطتك ـ حتى لا تقابل أى ممن انتهكت حقوقهم فينتقم منك؟ هل تذكر أن أهل الخير أعطوا لك ملابس مدنية لتستر بها نفسك وتمشى فى الشوارع كالرجال؟ لا أظن أنك بعد أن تنكرت لجميلهم وأعدت الكَرّة مرة أخرى ستجد أهل الخير الذين سيسترونك المرة القادمة، فاستعد للحساب!