نشرت رسالة تعليقاً على رئيس مجلس إدارة الأهرام بالأمس. كتب عن عصر مبارك. علق الأستاذ صلاح حافظ متهما إياه بكثير من مخالفة عمل المحترفين علماً ومهنية. قلت، بالأمس، إننى سوف أعلق. أبدأ باندهاش بعرض الأرض. لم أقرأ صحيفة فى العالم تنشر مقالاً لرئيس تحريرها فى الصفحة الأولى. رؤساء التحرير عادة يديرون الصحف لا يكتبون المقالات. قليلون من يفعلون ذلك. نادرون من يفرضون أنفسهم، بحكم الوظيفة، على القراء. يحتجزون لأنفسهم أماكن مميزة فى الصفحة الأولى بحكم الموقع الإدارى، لا بحكم المكانة المهنية. هذا يحدث فقط فى مصر. المدهش أن رؤساء مجالس الإدارة يفعلون ذلك. لم أسمع الكثير بشأن الكاتب الدكتور أحمد النجار. أصبح رئيسا لمجلس إدارة الأهرام. مقالاته تنشر بحكم الوظيفة فى الصفحة الأولى. تقدم صفاً فيه مكرم محمد أحمد وصلاح منتصر وآخرون بدأوا الكتابة قبله بزمن بعيد. الفارق أن لهم قراءً دون أن تكون لهم وظائف.
قرأت مقال الأستاذ النجار. قرأت ملاحظات الأستاذ صلاح حافظ. لا أريد أن أغرق فى تفاصيل. الرؤساء لا يحاسبون بالقطعة. لا يمكن محاسبة رئيس مجلس إدارة الأهرام عن بائع صحف يخفى جريدة الأهرام عن القراء. لا ضرورة لإخفائها- مع احترامى للأهرام. معنى المقال المنشور للأستاذ النجار يوم الأحد هو نفسه معنى المقال المنشور للدكتور نادر فرجانى يوم الاثنين. كتب الأستاذ النجار: الرئيس القادم فى مواجهة خطايا عصر مبارك. كتب الدكتور فرجانى: المشير السيسى وتوجهات الثورة. المقالان تقريبا عبارة عن معنى واحد. رسالة من اتجاه سياسى واحد للمشير السيسى عن طريق مبارك. الكاتبان لا يريدان مواجهة المشير السيسى مباشرة. الكاتبان يريدان أن يقولا له لا تتبع السياسة الاقتصادية التى اتبعت فى عصر مبارك. يهددانه بالاتهام بالفساد وسحب الشعبوية منه. يمجدان فى عصر عبدالناصر.
ليس مبارك كرئيس ومنهج هو المقصود هنا. قراءتى أن تلك معركة غير مباشرة يخوضها الأهرام عبر كاتبين فى يومين متتاليين. مع المشير السيسى. فى زمن مضى كانت هذه الأصوات موجودة فى الأهرام. لها الحق أن تعبر عن نفسها. أنا أقر بذلك. كانت تعبر عن نفسها فى مراحل المرحوم لطفى الخولى الأولى. قبل أن يتبدل. قبل أن يطور اتجاهاته السياسية، لكن لطفى الخولى كان واضحا. لا يلتف. لا يقول معلومات مغلوطة. لا يبيع للقراء شعارات. يقدم أفكاراً يؤمن بها. فى مشروع متماسك. تختلف معه. تتفق معه. كان صاحب فكر. هو نفسه انقلب على هذا الفكر فى نهاية عمره. قال كلاما آخر سياسيا واقتصاديا. دعا للسلام مع إسرائيل. أدرك حقيقة الفكر الاقتصادى الذى أدى لانهيار الاتحاد السوفيتى. الأستاذ النجار والدكتور فرجانى يرددان كلاما من عصر ما قبل البريستوريكا والجلاسنوست. شعرت كما لو أنى أقرأ البرافد فى زمن بريجنيف. فى أفضل الأحوال فى زمن أندروبوف!
للدكتور فرجانى أو غيره أن يكتب عن أى وجهة نظر. أن يعترض على المشير السيسى. أن يبتزه سياسيا. أن يضغط عليه. هذه أساليب معروفة فى السياسة. أى مرشح لابد أن يتعرض لمثل هذه الضغوط. له أن يقيم. أن يخضع. أن يرفض. أن يرد. على صاحب الرسالة أن يكون واضحاً. بدلا من إرسال البريد عبر وسيط. مبارك يتعرض لمحاكمة الآن. ترك بالفعل فى خزانة مصر ٣٥ مليار دولار بالإضافة إلى وديعة الـ20 مليون دولار المشهورة. أنفقت منها حكومات الثلاث سنوات الماضية. للدكتور أحمد النجار أن يقول ما يشاء للمشير السيسى. يختلف أمره فقط مقارنة بالدكتور فرجانى، من حيث موقعه. قبل أن يقترح أفكاراً على الدولة لابد أن يطبقها فى الأهرام. ينقل المؤسسة من عثرتها. وقتها يكون لحديثه للمشير السيسى مصداقية. وواقعية!