فى نهاية هذا الشهر تحلّ ذكرى حليم الذى غاب عن عالمنا قبل 37 عاما، وسوف تمنح «الميديا» مساحات مسموعة ومرئية ومقروءة متعدّدة للحديث عن عبد الحليم حافظ الذى كان فى حياته يملك كثيرا بين يديه من أوراق اللعبة فى زمن ما قبل الفضائيات، حيث العدد محدود، ولكنّ التأثير طاغٍ، أما الآن فمع توفّر أكثر من 700 فضائية ناطقة بالعربية وغير مشفَّرة، فلا يمكن الحديث عن سيطرة.
كان عبد الحليم يحرص على أن يمنح المقرَّبين له من الصحفيين والمذيعين هدايا، وأغلبهم كان يقبلها، وبعضهم كان يُطالب بمزيد، وعدد قليل كان يرفض، حكى لى كاتب كبير تلك الواقعة عن صحفى كانت له سطوة وقلم ومساحة فى الستينيات، هذا الصحفى لم يقتنع بالهدايا التى يُرسلها حليم ما بين ساعة يد أو عطور غالية وغيرها، فطلب مباشرة من عبد الحليم عربة خاصة، وأضاف أريدها صغيرة وبباب واحد، فقال له: «من عنيَّة.. جيت فى جمل»، وكنا وقتها فى بداية انتشار الراديو الترانزستور، كانوا يصنَّعونه بمختلف الأشكال، واشترى حليم راديو بنفس مواصفات العربة الصغيرة، وأرسله إلى الصحفى لتتحوَّل الهدية إلى مقلب!!
وهناك عشرات من المقالب التى حكاها حليم ضد بعض كبار الصحفيين عندما ينشرون أشياء هو لا يريدها، أو يمنحون مساحات مبالَغ فيها لبعض منافسيه، إلا أن السؤال: هل من الممكن أن يصنع الإعلام فنانا؟ الإجابة القاطعة هى بالتأكيد لا، ولكن فى نفس الوقت لا يعيش النجم بمعزل عن الإعلام، أغلب النجوم يحرصون على أن تظلّ تلك الصلة قائمة بينهم والإعلام. حكى لى الراحل كمال الشناوى ما فعله به أحد المذيعين قبل أكثر من نصف قرن، عندما استضافه للحديث عن الأغانى التى يُحبّها، فقرَّر أن يختار أغنيات للذين ابتعدوا عن المجال مثل: عبده السروجى وعباس البليدى ورجاء عبده.. وغيرهم، وفجأة سأله المذيع هل أنت لا تحبّ أحدا من المشاهير؟ فقال له أحبّ عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد وعبد الحليم بالطبع، ولكننى أختار مطربين خارج الخريطة، إلا أن المذيع عندما أجرى مونتاج الحلقة حذف من إجابة كمال الشناوى جميع المطربين وأبقى فقط على حليم، ولم يستمع كمال الشناوى إلى البرنامج، ولكنْ همس له أحد الأصدقاء قائلا «فريد غضبان»، وتعجّب كمال لأنه كان يعتزّ بفريد الأطرش فنانا وصديقا، ولم يكن بالطبع المونتاج الذى قام به المذيع بريئا، المؤكَّد أن المذيع لسبب أو لآخر أراد مجاملة عبد الحليم حافظ، والمعروف أن عبد الحليم وفريد عاشا سنوات عديدة من التنافس والصراع، حتى إن السلطة السياسية -ممثَّلة فى جمال عبد الناصر- تدخَّلت أكثر من مرة لحسمه، كان عبد الحليم أكثر دهاءً لاستقطاب رجال الإعلام، وبالطبع يجب أن نُذكِّر القارئ بأن الإذاعة فى تلك السنوات -نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات- كانت وقتها المَلِك المُتوَّج على عرش الجماهيرية.
كان حليم أحيانا يدخل هو أيضا فى صراع مع الإعلام، ومما يروى أن الخبر الذى نشره الراحل كمال الملاخ عن طريق الخطأ لرحيل الملحّن عبد العظيم عبد الحق كان وراءه عبد الحليم الذى دسّ له الخبر مستعينا بأحد المصادر القريبة من الملاخ، وبعد أن تورَّط فى النشر كان الجزء الثانى من الحكاية هو أن يظهر عبد الحق فى برنامج سمير صبرى «النادى الدولى» لينفى الخبر، وكانت كل مصر تُشاهد هذا البرنامج فى السبعينيات، وينتقم حليم من الصحفى. إلا أنه على الجانب الآخر لم يسلم حليم من ضربات الصحافة، مثلا ينشر الراحل نبيل عصمت فى شهر أبريل على صفحات جريدة «الأخبار» تحذيرا فى سطرين أن اليوم هو أول أبريل ولا تُصدِّق كل ما تقرأه، وبعده وبمساحة كبيرة ينشر أن عبد الحليم حافظ سوف يذهب إلى معهد الموسيقى مساء اليوم ليُثبت أن هانى شاكر يضع فى حنجرته صفّارة صغيرة، تجعل صوته مثل حليم، وبالطبع كان المقصود هو تلميع هانى، وبعد أن ينجح الخبر فى تحقيق الهدف ينشر نبيل عصمت فى اليوم التالى خبرا: «ألم أقُل لكم أمس إن اليوم هو أول أبريل ولا تُصدِّقوا كل ما يُنشر!».