عشوائيون نحن بامتياز مع مرتبة عدم شرف، منذ الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ليس ذلك موقفا من الزعيم الراحل، فأنا أقدر له أعمال ومواقف، بقدر ما هو تعبير أمين عن أسوا ما خلفه لنا، زمن عبد الناصر - بأخطائه الفادحة -، هو زمن العقلانية والجدية فى معظم القرارت، ومنذ أن أطاح السادات فى أول يوم له بالرئاسة بالأوراق التى أراد أن يقدمها له السكرتير الخاص، وقال له: «ابعدها عنى.. القراية دى اللى جابت أجل عبد الناصر»، ونحن نعيش على الحدس والتخمين والانطباع الشخصى وبالمجمل العشوائية وفلسفة «أهى مرة تخيب ومرة تصيب»، وضاعف من سرعة عجلة التعوشن واقتحامها لكل شىء التدهور الاقتصادى والاجتماعى والمؤسسى الشامل فى البلاد، وأصبحنا بحيث تكاد تكون العشوائية هى أغنية الربيع الأثيرة للجميع.
أن نتائج العشوائية المدمرة تصبح مزدوجة أو «دوبل»، حين تتم فى مجال إصلاح وتطوير العشوائيات، وهذا هو مجال اجتهاد سلسة المقالات التالية لتقويم الخلل.
ثمة سباق غريب فى مصر بين العشوائيات وبين الجهود الحكومية الرامية إلى تقليل العشوائيات وتطويرها، ومن الواضح لكثيرين أن النتيجة تؤكد حتى الآن فوز العشوائيات بكل أشكالها والتى تزيد وتتمدد بالنقاط، وأنه يخشى أن تفوز مع الوقت بالضربة القاضية على مجمل الوضع العمرانى للمدن المصرية، لو استمر المنهج الذى نعمل به كما هو.
طبقا لمعايشات واقعية نشير بداية إلى أن تكوين صندوق قومى لتطوير العشوائيات بمجلس إدارة متنوع وقوى هو خطوة متقدمة على الطريق، ولكن يلفت النظر أنه لايوجد هدف استراتيجي معلن للصندوق، وهو يختلف عن الأهداف التشغيلية، فلا نجد فى أى من أدبياته ولا نجد حتى فى أى خطاب حكومى عام التزاما محددا بمدى زمنى محدد يتم فيه منع قيام عشوائيات جديدة أو القضاء علي القائم منها، ولو فى محافظات بعينها أو تخفيضها بنسبة كذا حتى عام كذا..
كما لايوجد أيضا أى هدف استراتيجي ولا حتى تشغيلى معلن بشأن نوعية الحياة المستهدف أن يعيشها العشوائيون، أى سكان العشوائيات، التى تم تطويرها أو تغيير سكن قاطنيها، وذلك حتى لا يعاد إنتاج نفس نمط حياة العشوائيات القديمة بكل أوزاره، للعلم سلوك كثير من سكان النهضة فى مدينة السلام ممن عادوا إلى المساكن المطورة فى زينهم لازال كما هو، وثمة شكوى مُرة من بعض سكان مشروع «أوراسكوم للإسكان التعاونى» من سكان الدويقة الذين تسلموا الوحدات بقرار سياسى بعد انهيار الجبل.
كما لا تربط عمليات التطوير المصرية القائمة بين العشوائى وبين العشوائيات، رغم الارتباط الشرطى القاطع بينهما، بمعنى أنها لم تفكر فى العكس أى تطوير حياة العشوائيين فى البداية ثم تترك لهم تطوير حياتهم بأنفسهم فى نفس مواقع عيشهم وذلك هو المنهج الذى أفضله شخصيا وطرحته فى عدة محافل رسمية: تطوير العشوائيين هو المدخل الأصح والأقل كلفة لتطوير العشوائيات أو الكثير منها على الأقل، وسأقدم مزيدا...