قبل الحديث عن السينما واجب علينا الحديث عن البلد انها سلطنة عمان وهى الدولة الخليجية التى ترى قيها أبناء البلد يمارسون كل شئ السائق عماني وموظف الاستقبال في الفندق عماني ومن يقدم لك القهوة في الكافتريا عماني ، صحيح هناك عمالة هندية منتشرة بقوة ولكن أيضا اليد العمانية تعمل وتبني جنبا الى جنب مع الوافدين الى السلطنة.
في الطريق بين الفندق ودار العرض حيث تجرى فعاليات مهرجان مسقط السينمائي الدولى في دورته الثامنة ، نرى المدينة وهى تنضح بالجمال ،لا يوجد بيت يخالف المزاج العام لا تلمح أبدا نشاز معماري ،البيوت تبدوا وكأنها تُقدم جملة موسيقية واحدة بتنويعات مختلفة أسمها التنسيق الحضاري ،البيوت المتراصة بجوار بعضها تحتفظ بالروح التراثية التى عاشتها السلطنة ذات الحضارة الضاربة في عمق الزمان ، البيت في العادة تقطنه اسرة واحدة لا يتجاوز طابقين او ثلاثة يضم حديقة صغيرة ونقوش على الابواب والجدران تحمل بصمة الزمن .
في هذا البلد طموح يكبر وينمو من خلال مجتمع منفتح يتطلع للغد بنظرة تفيض أملا ،في اغلب الدول الخليجية يستوقفك الابراج الشاهقة التى تمتد رأسيا لتصل الى عنان السماء في مدينة مسقط العمران افقي ، وأينما وليت وجهك تجد الجبل الاخضر يحتضن ويحمي المدينة وكأنه كلمة الله ووعده لها بالامان لهذا البلد الطيب وناسه الطيبون.
في مسقط جمعية سينمائية انطلقت قبل نحو خمسة عشر عاما ،قليلة العدد محدودة العدة ولكنها تملك طموحا بلا حدود يقودها المخرج خالد الزدجالى خريج معهد السينما بمصر ،حيث تمكن عام 2000 من إقامة أول مهرجان سينمائي في السلطنة بل في لخليج كله ، ليفتتح قبل يومين دورته الجديدة حيث يعقد المهرجان مرة كل عامين.
تستطيع أن تلمح في هذا المهرجان إطلالة على سينما العالم ،افلاما عربية وعالمية ولا يكتفي بهذا القدر بل هناك أيضا مساحة للسينما التسجيلية والقصيرة و عددا من الورش الفنية في الاخراج والتصوير والانتاج والنقد والسيناريو بشقيه السينمائي والتليفزيوني بالاضافة الى الندوات العامة لسينما المرأة في الدول العربية وأخرى للحفاظ على التراث الفيلمي وثالثة لترويج التصوير في السلطنة حيث ان الطبيعة هناك ملهمة للابداع وكما قال لي مدير التصوير سعيد شيمي ان الكاميرا تحتار امام كل هذا الجمال ،كل زاوية تحمل سحرا خاصا.
رئيس المهرجان الصديق العزيز خالد الزدجالى مصرى الهوى ولهذا تجد ان الصبغة المصرية واضحة المعالم ، نعم هو لا يغفل اطلالته العربية والعالمية، ولكن تابع معي اسماء المكرمين نبيلة عبيد و يسرا و على بدرخان ومحفوظ عبد ارحمن الذي اعتذر لظروف صحية في اللحظات الاخيرة والورش التى يشارك فيها الأعزاء علي ابوشادي وسعد هنداوي ومحمد القليوبي وكمال عبد العزيز واشرف راجح وتقود لجنة تحكيم الافلام الروائية الطويلة نبيلة عبيد ولنا فيلمين "هرج ومرج "لنادين خان و"الجرسونيرة "لهاني جرجس فوزي ،بالاضافة الى الافلام التسجيلية والروائية القصيرة ، المهرجان تتسع رؤيته ليضم ايضا اجتماعا لاتحاد الفنانين العرب الذي يرأسه نقيب السينمائيين في مصر مسعد فودة ،والحقيقة ان هذا الاتحاد صار له في الأشهر الأخيرة نبضا في حياتنا الفنية العربية ووجدت أن اليمن وموريتانيا والاردن وعمان والكويت والمغرب والسودان وغيرها حاضرة ،هذا الاتحاد والذي كنت شاهد عيان على ميلاده قبل نحو 30 عاما عندما تزعمه الراحل الكاتب الكبير سعد الدين وهبة وكانت لديه امالا عظيمة تقلصت مثل العديد من الاشياء الجميلة في حياتنا وبعد سعد وهبة أصبح خيال مآتة ،ولكن فودة أعاد إليه الحياة مجددا ليصبح له انطلاقة جديدة هذه المرة من مسقط.
حفل الافتتاح حاول ان يجمع بين مختلف دول العالم الهند والصين والسودان وسوريا ولبنان مع استعراض يمزج بين الشاشة في اغنية "دوقوا الشماسي" من فيلم حليم " ابي فوق الشجرة " لحسين كمال وعرض على المسرح يستكمل ما رأيناه سينمائيا .
ما الذي يتبقي بعد المهرجان ؟افلاما ،أنا اتابع العديد من المهرجانات مصريا وعربيا ودوليا فلقد اتيح اى ان ارى أغلبها ،يبقى شئ لا تراه على الشاشة ولكنه يسكن القلب انها المدينة الساحرة وأهلها الكرماء ، فهم يعيشون الحياة ويسري في دمائهم الحياء ويحيطهم الجمال ويرعاهم الله.