لا شك أن الحكم الذى أصدرته محكمة جنايات المنيا بإحالة أوراق ٥٢٨ شخصًا من أعضاء جماعة الإخوان وأنصارهم إلى مفتى الجمهورية (فى قضية أحداث العنف والاعتداء على مراكز الشرطة فى المنيا التى وقعت عقب فض اعتصامَى رابعة والنهضة فى ١٤ أغسطس الماضى) لاستطلاع الرأى الشرعى فى إعدامهم (وهو رأى استشارى يمكن أن لا تأخذ به المحكمة).. هو حكم قاسٍ.
ليس حكمًا قاسيًا فقط، وإنما يسجّل رقمًا قياسيًّا يُدخل مصر فى موسوعة جينيس للأرقام القياسية، لإصدارها حكمًا واحدًا فقط بإعدام ٥٢٨.. وكأنه إنجاز عظيم!!.. فلم يحدث فى أى دولة أن صدر حكم قضائى بإعدام هذا الرقم فى قضية واحدة.
ولعله الغريب أن يصدر هذا الحكم بعد جلسة واحدة فقط نظرتها المحكمة.. وأجّلت قرارها لمدة ٢٤ ساعة لإصدار حكمها بإعدام ٥٢٨.
ولعله الأكثر غرابة أن المحكمة لم تستمع إلى النيابة صاحبة قرار الإحالة أو المتهمين «الحاضرين» باعتبار أن هناك ١٤٧ فقط حضوريًّا «تم براءة ١٧ منهم».. ولم تستمع إلى الدفاع، ورغم ذلك أصدرت حكمها بالإعدام.. أى نعم، هناك مَن يعتبر أن الحكم يعد غيابيًّا تهديديًّا، وأن المتهمين بعد تسليم أنفسهم للسلطات المعنية -بعد الحكم عليهم- من حقّهم طلب إعادة الإجراءات والمحاكمة من جديد بشأن التهم المنسوبة إليهم.. إلا أنه يظل الحكم قاسيًا.. بل وغريبًا، وهو ما يسىء إلى القضاء.. بل إلى البلد نفسه على اعتبار أن مصر راعية لأحكام الإعدام!!
لقد كان أمل الشعب بعد ثورة ٢٥ يناير فى قضاء مستقل.
.. وفى قضاء عادل.
.. هو ما لم يحدث بعد الثورة ولم يتحقّق.
.. وعاد الأمل مرة أخرى بعد ثورة ٣٠ يونيو.
.. فقد كانت الأنظمة السابقة تستخدم القضاء وتحاول تطويقه.
.. أى نعم، كان هناك قضاة يقفون بالمرصاد وأصدروا أحكامًا تاريخية نابعة من ضميرهم.
.. فقد فعل ذلك نظام مبارك الذى لم يكن يحترم القضاء.. ودخل فى معارك معهم وكان يستخدم الجهاز التنفيذى ووزارة العدل للسيطرة على القضاء.
.. وكذلك فعل محمد مرسى وجماعة الإخوان.. فأرادوا قضاة تابعين لمكتب الإرشاد.. وكان فى نيّتهم التخلّص من آلاف القضاة.. ليأتوا بغيرهم من أعضاء الجماعة فى إطار هدمهم مؤسسة القضاء ضمن مؤسسات الدولة.. فكانت وقفة القضاة قويّة ضد ما فعلوه.. وما كانوا ينوون.. فكان ذلك من إرهاصات ثورة ٣٠ يونيو ضد الإخوان ونظامهم.
.. وكان هناك أمل كبير لدى الشعب فى أن يكون القضاء هو الحامى له من عودة القمع والقهر الذى تعرّض له سواء من نظام مبارك الاستبدادى الفاسد أو نظام الإخوان الفاشى.
وقد كان الأمل منعقدًا على القضاء، فى ظل حالة الفوضى التى تشهدها البلاد وفى ظل الانفلات الأمنى المستمر «والغريب»، أن يكون الحصن للمواطن.
لقد أصدر القضاء أحكامًا منصفة -رغم الضغوط التى كانت تمارس من نظام استبدادى- فى قضايا مهمة مثل قضايا الخصخصة التى كانت رمزًا لفساد نظام مبارك، وطالب بإعادة شركات كثيرة للدولة والشعب.
فينتظر أن يكون القضاء الحصن الحقيقى للشعب.. صاحب الأحكام باسم الشعب.
فالشعب يريد قضاءً مستقلًّا.
.. والشعب يريد قضاءً عادلًا.