لا أظن أن القصة فى السرقة أو «الاقتباس» دون مصدر. القصة هى أنه على باسم يوسف أن يحدد من هو؟ ماذا يريد؟ من هو؟ وماذا يريد أن يستهدف فى الفترة القادمة؟
أما السرقة فهى قضية أخلاقية يقف فيها باسم بينه وبين نفسه، وبينه وبين أخلاقياته، وقد اعتذر عنها – متأخراً بعض الشىء وربما بعد الهجوم الضارى من مشاهديه ومعارضيه فى وقت واحد – لكنه استخدم ذكاءه وربما نصائح بعض المقربين له من ذوى الخبرات الغربية للخروج من المأزق بالطريقة المعروفة: «أعتذر عن الخطأ، أعتذر عن السرقة»، وتلك الطريقة يستخدمها كثير من السياسيين الأمريكيين حين يريدون البقاء فى عالم السياسة دون الخروج منه بأضرار كبرى.
السؤال الذى يحتاج باسم فى فترة الاستراحة «الاختيارية أو الاضطرارية» أن يجيب عنه بينه وبين نفسه هو: ماذا يريد أن يقدم؟ ماذا يريد أن يقول؟ وكيف يريد أن يؤثر؟.. تلك الأسئلة هى التى ستحدد ما إذا كان يستطيع الخروج من المأزق أم لا؟ فالهجوم الذى واجهه باسم بسبب «سرقة» مقال الكاتب المعروف بتوجهاته الموالية لإسرائيل «الصهيونية» لم يكن فقط بسبب السرقة- التى لا تغتفر بالطبع لشخص يعرف قواعد الأمور وأصولها- لكنها كانت كما نقول «على مجمل أعماله».
ضحك الناس قبل ثورة 30 يونيو مع باسم وهم فى الحقيقة يضحكون بمرارة على الإخوان والتيارات المتشددة وطبعاً مرسى والمرشد والقصاص والمكس. عبر باسم حينها عن الشارع، عن جموع الناس، وأذكر جيداً أنه قال لى فى حوار أجريناه فى إبريل أو مايو الماضى إنه قد يقول بعد ذلك ما لا يعجب الكثيرين!، وقفت كثيراً أمام تلك الإجابة، لأفكر فيها لاحقاً.
ولاحقاً، قد جاء وقته. فهل كان باسم يستعد لهذا الموقف مسبقاً؟ هل كان يحدد استراتيجية يقترب فيها من قلوب الناس عن طريق الهجوم على الإخوان ثم يحاول بعد ذلك أن يستخدم وسائله الفنية الماهرة فى دس أفكار أخرى، أو هدم أفكار بعينها؟ هل كانت تلك استراتيجية فكر فيها وهو يجيب عن سؤالى، أم أنها استراتيجية آخرين لا نعرفهم؟
بعد 30 يونيو، وجد المشاهدون شخصاً آخر لا يعبر عنهم كما كان يفعل. لا يقترب من الإخوان قيد أنملة، لا يرى جرمهم، لا يقترب من عنفهم تقريباً، لا يشاهد الجزيرة، وجدوا شخصاً يستخدم نفس الأدوات القديمة لكنها بشكل آخر ولخدمة أهداف أخرى. شخص نصب نفسه حكماً فوق الجميع، فوق الجيش والشرطة والمجتمع، والأهم كان موقفه من ثورة 30 يونيو التى رفضتها واشنطن ومازالت تقف ضدها بكل عنف.
انزعج مشاهدو باسم من سرقته مقالا من كاتب صهيونى، فقد كانت الخطيئة مضاعفة.. السرقة، وأفكار كاتب يمثل العدو، ولا تردد هنا، فإسرائيل هى العدو. وطُرح السؤال: أى أفكار أخرى اقتبستها دون أن نعرف؟ ولماذا هذا الكاتب بالذات؟ هل يعبر عن أفكارك؟
لم تنزعج واشنطن من «السرقة». لم ينزعج الإعلام الغربى من السرقة التى راح ضحيتها رؤساء صحف كبرى هناك، لكن الانزعاج الأكبر كان من تلك المشاعر العدائية المصرية ضد كاتب صهيونى وما سموه «مشاعر ضد السامية». فإذا رجعنا بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، وجدنا أن واشنطن نفسها والتصريحات والبيانات نفسها لم تكتب سطراً واحداً عن حصار مدينة الإنتاج الإعلامى وقت الإخوان، وإنما انتفضت دفاعاً عن باسم يوسف حين تعرض للتحقيقات وبلاغات النيابة، كما دافعنا عنه جميعاً وقتها. هل يعنى ذلك شيئاً؟ ربما، وربما لا.
عزيزى باسم.. أظن أنك تعرف أو قد لا تعرف. وهذا سؤال يجب أن تجيب أنت عنه بنفسك: ماذا تريد؟ هل تدافع عن الحريات حقاً، أم أنك فقط تريد أن يكتب اسمك بحروف لاتينية وتنشر صورك فى الصحف الأجنبية؟ وأذكرك أنك لم تصل إلى هناك إلا عن طريق المصريين. هل كنت تؤمن حقاً بما قدمت من قبل؟
لقد صدقتك من قبل ودافعت عنك حينما تعرضت للتحقيقات، وحين تم فسخ عقدك فى المحطة التى أعمل بها، وحين وحين.. لكنك الآن شخص آخر وتقدم فناً آخر بأهداف أخرى، وتلك اختياراتك.
أظن أن تلك الإجازة «اختيارية كانت أو إجبارية» فرصة لتراجع نفسك. لن أدعوك لأن تعود إلى صفوفنا، فقد لا نكون الأفضل. لكن على الأقل عليك أن تعود للناس الحقيقية الذين ساندوك وأحبوك وأوصلوك إلى مكانك: أن يكتب اسمك باللغة الإنجليزية فى صحف العالم.. وأن تمنح جوائز دولية على أنك الأكثر تأثيراً. الحياة اختيار واختبار.