حققت تركيا فى عهد أردوجان نجاحات كثيرة وإصلاحات اقتصادية وسياسية مهمة، قبل أن يصيبه غرور السلطة التى بقى فيها 12 عاما بصورة أفقدته القدرة على قراءة الواقع السياسى داخل تركيا وخارجها.
والمؤكد أن قراره الأخير بإغلاق موقع تويتر أثار موجة من الغضب والاستياء داخل تركيا وخارجها، ولكن الأهم كيف يقدم سياسى ورئيس وزراء دولة كبيرة مثل تركيا على تلك الخطوة؟ والتى تمثل فى الحقيقة تحولا نفسيا فى طريقة تعامله مع معارضيه، وخاصة الشباب.
والحقيقة أن ظاهرة تويتر وفيس بوك أفرزت فى مصر وبعض الدول غير المكتملة ديمقراطيا «مناضلين» ونشطاء لا علاقة لهم بالواقع المعاش، وجمهورا محدودا يعيش فى جيتو منعزل عن عموم الناس، وكثير من الكتاب المصريين تعرضوا «لحفلات» على تويتر لمجرد أنهم كتبوا مقالة لم يرض عنها بعض هؤلاء، رغم أن مهمة الكاتب أو الباحث أن يكتب فقط ما يقتنع به وليس إرضاء س أو ص.
ومع ذلك لم يشغل الكتاب ولا حتى السياسيون فى مصر أنفسهم بهذه الظاهرة، فإما أنهم ردوا على منتقديهم على المواقع الإلكترونية، أو تجاهلوهم تماما، وأذكر أنى قلت أثناء خوضى تجربة الانتخابات البرلمانية إنك إذا كنت مؤثرا على الفيس بوك وتويتر فتأكد أنك لست كذلك فى الواقع.
ولم نجد تقريبا سياسيا فى مصر والعالم يعمل عقله بعقل تويتر وفيس بوك، ويطالب بإغلاقه، لأن هناك من اعتاد «الهجوم الممنهج» عليه- كما ذكر أردوجان فى تبريره لما فعله.
الصوت الاحتجاجى فى أى مجتمع موجود، والصوت الشاب تصاعد تأثيره فى تركيا بعد بقاء أردوجان فى السلطة 12 عاما، وصارت هناك فجوة جيلية بينه وبين قطاع واسع من شباب المدن والطبقة الوسطى.
والحقيقة أن الاحتجاج كوسيلة لتغيير الحكومة فى البلاد الديمقراطية أمر يختلف عن الاحتجاج كوسيلة لإسقاط النظام فى البلاد غير الديمقراطية، والمؤكد أن تركيا تعيش فى ظل نظام ديمقراطى يعانى من قيود، أو فى ظل ديمقراطية مهددة تحت سطوة البقاء الطويل لأردوجان فى السلطة، وهو أمر شبيه بأوضاع بلاد أوروبية ديمقراطية فى الستينيات، وبعض بلدان الديمقراطية المقيدة الحالية، مثل روسيا والمكسيك وجنوب أفريقيا، حيث يوجد بها حزب حاكم مهيمن قادر من خلال تأثيره أو سيطرته على جهاز الدولة، وامتلاكه لماكينة انتخابية قوية ألا يخسر بسهولة أى انتخابات.
إن إقدام أردوجان على إغلاق تويتر (خطوة من الصعب تنفيذها بشكل كامل فى الواقع) يدل على وصول أردوجان لدرجة من الغرور جعلته غير متقبل أصلا وجود أى نقد بصرف النظر عن وزنه، وما إذا كان هذا النقد أو الهجوم مؤثرا عليه فى الواقع أما لا، فلا تزال له قاعدة انتخابية واجتماعية مهمة، ومع ذلك لم يتحمل «تويتات» بعض الشباب.
إن الخطاب السلطوى والاستعلائى الذى استخدمه أردوجان بحق معارضيه وسبق أن استخدمه بعض من قادة دول العالم، فديجول فى فرنسا استخدم تجاه ثورة الطلاب فى 1968 (أسفرت بعد استفتاء عن استقالته) تعبيرات ازدراء وتهكم على المحتجين، وتعامل باستعلاء شديد مع مطالبهم (على طريقة أنهم شوية عيال)، وأردوجان يكرر نفس الخطيئة فى بلد شبه ديمقراطى.
سقوط أردوجان مسألة وقت، وخسارته ولو الجزئية للانتخابات البلدية القادمة ستكون بداية الطريق لإنهاء حكم عاش شروقا مشعا وغروبا قادما.