حضرت، صباح أمس الأول، اجتماع وزراء الخارجية العرب فى الكويت، حيث تنعقد اليوم، وغداً، القمة العربية رقم 25 منذ نشأة الجامعة عام 1945. وقد انتظرت، مع كثيرين غيرى فى داخل قاعة الاجتماع، وفى خارجها، أن تكون القضية الأم مطروحة على جدول أعمالهم، لولا أنه لم يحدث، كما تبين، حين انفضّ الاجتماع!
صحيح أنهم ناقشوا قضايا مهمة، وقالوا إنها على رأس جدول أعمال القمة، غير أنها فى ظنى، إذا كانت مهمة، وهى كذلك فعلاً، فإن هناك فى قائمة القضايا ما هو أهم منها، إذا ما تطلعنا حولنا بمنطق فقه الأولويات الذى أتصوره يحكم حركتنا فى كل اتجاه، أو هكذا نتمنى دائماً.
فالمجتمعون كانوا وزراء أو ممثلين لوزراء من 22 دولة عربية، وقد تكلموا فى المسألة السورية، وكيف أنها بدأت عامها الرابع دون حل، ودون أفق لحل، ودون أمل فى شىء، اللهم إلا أن تتدخل السماء برحمتها، فترحم الإخوة فى سوريا مما يواجهونه من عذاب، على مدى سنوات ثلاث مضت!
وتكلموا عن الإخوة فى فلسطين، وكيف أنه قد آن الأوان لمصالحة حقيقية بين الفلسطينيين فى الضفة، وبينهم فى غزة.. ولك أن تتصور أنه قد جاء علينا يوم، يكون كل همنا فيه أن يتصالح الفلسطينى فى رام الله مع أخيه فى غزة، لنرى فيما بعد ماذا فى إمكاننا لنفعله، لتقوم دولة اسمها فلسطين على أرضها، ولأبنائها!
هذا كله مهم، لاشك فى ذلك، غير أن علينا أن ننتبه إلى أن قضية فلسطين تم طرحها 24 مرة من قبل، على كل قمة انعقدت فى السنوات الماضية، ولم يحدث شىء، ولو حدث ما كانت قد احتلت هذه المكانة فى قمة هذا العام!.. وأخشى، إن استسلمنا لهذا المنطق، أن تأخذ الحكاية فى سوريا مكانها إلى جوار أختها فى فلسطين، وأن تتلازما معاً، بامتداد أعوام مقبلة، فى العرض على كل قمة قادمة، وفى التأجيل إلى التى بعدها!
أما القضية الأم التى خاب أملى، ثم أمل غيرى كثيرين، بامتداد الوطن، فى أن تكون لها مساحتها التى تليق بخطورتها، ثم بأهميتها البالغة، ضمن جدول القمة، فهى قضية الإخوان بشكل خاص، ثم الإرهاب الذى يرتكبه أصحابه ويمارسونه باسم الدين، وتحت رايته، بشكل عام!
ذلك أنه عندما خرج وزير خارجية المغرب من الاجتماع، ليصرح بأن قضية حظر الإخوان فى مصر لم تكن معروضة على اجتماعه هو وزملائه وزراء الخارجية، فإن لسان حالى، وأنا أسمع كلامه، كان يقول: إذا لم تكن قضية كهذه مطروحة، وضاغطة، فأى القضايا يمكن، إذن، أن تشغلنا، وتؤرق منامنا ويقظتنا كعرب؟!
ثم إنه كان هناك خطأ جوهرى فى الموضوع، عندما رأى وزراء الخارجية مجتمعين، أن قصة «الإخوان» تخص مصر وحدها.. فقد كشفت تجربة عام لهم فى الحكم أن القاهرة كانت هى البداية، وأن الإخوان كانوا يتصورون أنهم سوف يزحفون منها إلى سائر العواصم العربية، وأنهم لم يكونوا يقيمون احتراماً، ولا وزناً، لفكرة الدولة الوطنية ذاتها، وليس ما جرى إزاءهم فى السعودية والإمارات، وموريتانيا، مؤخراً، إلا دليلاً على أن خطرهم لم يكن أبداً على مصر وحدها.
الدولة العربية التى تتخيل أن الإخوان، بفكرهم الحالى، لا يمثلون خطراً عليها إنما هى دولة تهرب من مواجهة حقيقة قرر المصريون أن يواجهوها بشجاعة، منذ 30 يونيو الماضى، ولايزالون يواجهون، ويدفعون الثمن عن يقين بأنه مهما كان فادحاً فإنه يهون إذا ما قورن بثمن آخر، كنا سندفعه من كيان الدولة ذاته، لو دام للإخوان حكم عندنا.
قمة عربية تنعقد فى ظرفنا الراهن، ثم لا تقرر أمراً فى شأن الإخوان، إنما هى قمة لا تعمل بفقه الأولويات.