2- ما هى الآن؟
بعد أن قضت جماعة الإخوان معظم سنوات عمرها توصف بالاعتدال وعدم وجود العنف كوسيلة محورية فى رؤيتها للتغيير واعتبارها النموذج الأبرز للحركات السياسية- الاجتماعية ذات الأيديولوجية الإسلامية التى تعطى الأولية لتطبيق الشريعة وليس لتصحيح العقيدة، أتت فرصة دخولها الانتخابات الرئاسية المصرية بعد نجاحها الساحق فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى، لكى تنقلها بسرعة أكبر لمعسكر الحركات الإسلامية الدينية.
وهذه الحركات، كما سبق تعريفها فى المقال السابق، هى تلك التى تعتقد أن جميع النظم الحاكمة فى دول العالم الإسلامى ومعها النخب المختلفة فيها غير صحيحى الإسلام، سواء برؤيتهم ككافرين أو كمرتدين عن الإسلام، وهم فى الحالين محاربون للإسلام عقيدة وشريعة، مما وضع تصحيح عقيدتهم كهدف أول لها بما يتضمنه هذا من وجوب قتالهم والإطاحة بهم من قيادة الدول والمجتمعات المسلمة. رأت المجموعة «القطبية»، التى زاد نفوذها فى قيادة الجماعة فور حلول موعد الترشيح لرئاسة الجمهورية، أن الوقت قد حان بعد السيطرة على مجلسى البرلمان لأن تسيطر أيضاً وبسرعة على القصر الرئاسى، بحيث تبدأ فوراً وبدون حاجة لاستخدام العنف، بل فقط بسلطات الدولة التى يجب الاستيلاء عليها فوراً، فى إعادة تصحيح عقيدة المجتمع ونخبه والأخذ عليهم بشدة حتى يعودوا إلى صحيح الاعتقاد الإسلامى، انطلاقاً من القول المنسوب لسيدنا عثمان بن عفان والمنتشر فى أوساط الحركات الإسلامية الدينية، «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن». وقد رأت هذه المجموعة، وفقاً للمنهج «الانقلابى» الذى وضع ملامحه الأستاذ سيد قطب، أن المسارعة بالاستيلاء على أجهزة الدولة وجميع مفاصلها وقبل أن ينتبه أحد لهذا، هو السبيل الوحيد لنصرة الإسلام وعقيدته الصحيحة التى تمثلها تلك المجموعة ومعها بقية الجماعة، وذلك برضاء الشعب واعتراف العالم عبر صندوق الانتخاب الذى سيكون الوسيلة السحرية للبدء فى تحقيق الهدف الأسمى- حسب رؤيتهم.
ولقد كان لمنهج المسارعة أو الانقلاب من قمة الدولة عبر موقع الرئاسة الذى احتلته الجماعة للمرة الأولى فى تاريخها المصرى، أو ما سمى سياسياً وشعبياً «الأخونة»، دور كبير فى ثورة المصريين على حكم الإخوان، وخروجهم الكثيف التاريخى فى 30 يونيو وبعدها 3 يوليو حيث انتهت وبعد عام فقط تجربتهم فى حكم مصر. وببدء اعتصام رابعة العدوية ومعه ميدان النهضة فى نهاية يونيو دخلت قيادة الجماعة القطبية، ومعها العديد من تابعيها فى مختلف صفوف الجماعة وبخاصة فى الصف الثانى للقيادة وعديد من قواعدها الشابة، إلى مرحلة الإعلان المباشر عن رؤيتهم الدينية الأقرب للفكر القطبى، واعتبارهم المعركة السياسية الدائرة مع خصومهم فى المجتمع والدولة معركة دينية بامتياز بين «الانقلابيين» أعداء الإسلام وتجربته مع محمد مرسى- الذى لم يفعل أى شىء عملى يؤكد به هذا خلال عام حكمه- وبين «العصبة المؤمنة» التى يمثلها التحالف الذى خرج من قلب رابعة والنهضة.
ولم يكن غريباً بعد اعتماد قيادة الجماعة والتابعين لها الرؤية القطبية فى وصف الصراع الدائر بأنه حول الإسلام نفسه كمعتقد، أن تخطو هذه القيادة ومعهم بعض قيادات وتشكيلات جماعات دينية سابقة وجديدة نحو العنف، الذى دأبت على تسميته الجهاد، فى مواجهتها لمن تعتبرهم مرتدين عن صحيح الإسلام ومحاربين له. وأتاحت ملابسات فض اعتصامى رابعة والنهضة، وما بعدها من صدامات وقع فيها ضحايا كثيرون بين قتلى وجرحى ومحبوسين للقيادة القطبية وحلفائها من أنصار الرؤية الدينية الجهادية، مناخاً ملائماً لترويج وتبرير فكرتى المظلومية والاستشهاد، اللتان قامت عليهما تاريخياً الرؤى الدينية المتطرفة التى تميل إلى استخدام العنف وتعتبره السبيل الوحيد لنصرة الإسلام وإعادة المارقين منه والمحاربين له إلى حظيرته عنوة.
بهذا التكوين وتلك الرؤية القيادية تنطلق الجماعة اليوم فى مصر نحو مستقبل يبدو مرشحاً لعديد من الاحتمالات الكبرى، التى نتركها للمقال القادم.