فى خضم التفاعلات التى يموج بها الوضع المصرى منذ تولى الدكتور محمد مرسى الحكم، ثم عزله عنه، تتتابع الأسئلة حول ماضى وحاضر ومستقبل جماعة الإخوان المسلمين فى مصر، وما يمكن أن ينعكس به ذلك على وضعها فى مختلف دول العالم سواء فى المنطقة العربية أو الشرق الأوسط أو مناطق ودول العالم الأخرى.
والبدء الضرورى بما كانت عليه جماعة الإخوان فى الماضى منذ قيامها على ضفاف قناة السويس عام 1928 حتى سقوط ممثلها على مقعد رئاسة مصر محمد مرسى، فى 30 يونيو و3 يوليو عام 2013، فما بين هذين التاريخين كانت الجماعة تصنف تقليدياً ضمن الحركات السياسية- الاجتماعية ذات الأيديولوجية الإسلامية التى تضع أولويتها فى تطبيق الشريعة الإسلامية كوسيلة لبناء المجتمع المثالى الذى يستمد مقوماته وقيمه الرئيسية من مقاصد الشريعة وخلاصة خبرة الحكم الرشيد فى التاريخ الإسلامى. والجماعة بهذا المعنى وطوال تلك السنوات كانت فى معظم أفكارها وأعضائها لا ترى فى النظم السياسية المتعاقبة التى حكمت مصر ولا فى المجتمع المصرى وقواه وأحزابه أطرافاً غير مسلمة أو مرتدة عن صحيح الإسلام، بل كانت تعترف بها جميعاً كمنتمية للإسلام كعقيدة، وإن رأت أن بعضها قد خاصم شريعة الإسلام وتطبيقاته فى مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع. وكنتيجة لهذه الرؤية الأساسية التى حكمت حركة الإخوان المسلمين حتى عزل مرسى من الحكم، فقد تبنت الجماعة بأغلبية صفوفها وسائل العمل السلمى للوصول على الصعيد السياسى إلى هدفها الرئيسى، وهو تطبيق الشريعة الإسلامية، التى ظلت طوال الوقت غير محددة المعالم والتعريف، وذلك عبر الوصول للحكم والقيام بهذه ال مهمة من خلاله.
وبذلك ظل التعريف العام للجماعة فى الأوساط السياسية وفى الدراسات العلمية كجماعة معتدلة وسطية سلمية لا يقع العنف فى قلب وسائلها وأولوياتها. وعلى الرغم من هذا التعريف وذلك التاريخ، فقد ظل دوماً بداخل الجماعة نواة مستمرة تصغر أحياناً وتكبر أحياناً أخرى تميل إلى رؤية الجماعات الإسلامية الدينية، التى تختلف عن الجماعات السياسية- الاجتماعية ذات الأيديولوجيات الإسلامية، فى وضعها تصحيح العقيدة الإسلامية كهدف أول لها، وذلك انطلاقاً من اعتبارها كافة النظم الحاكمة فى دول العالم الإسلامى ومعها النخب المختلفة فيها غير صحيحى الإسلام سواء برؤيتهم ككافرين أو كمرتدين عن الإسلام، وهم فى الحالين محاربون للإسلام عقيدة وشريعة، مما يوجب قتالهم والإطاحة بهم من قيادة الدول والمجتمعات المسلمة. وقد ظلت تلك النواة الدينية قائمة فى قلب جماعة الإخوان منذ ظهور مجموعة شباب سيدنا محمد فى قلبها فى أواخر ثلاثينيات القرن الماضى، وصدامهم مع مؤسسها حسن البنا، مروراً بسيد قطب الذى بلور ونظَّر للفكرة الدينية من داخل الجماعة عبر تفسيره المعروف «فى ظلال القرآن» وكتابه الأشهر «معالم فى الطريق»، دون أن تتحول لرؤية حاكمة وقائدة لفكر الجماعة وحركتها.
وقد بدا واضحاً أن قيادة الجماعة ممثلة فى مرشدها ومكتب إرشادها ومجلس شوراها قد راحت تميل نحو الرؤية الحاكمة لفكر وسلوك الحركات الدينية وتمثيلها الأبرز والأوضح فى كتابات سيد قطب، منذ تولى الأستاذ مصطفى مشهور موقع مرشدها العام سنة 1996، وهو المنتمى للنظام الخاص سابقاً والقريب من الأستاذ قطب إنسانياً وفكرياً. وقد استطاع مشهور ومعه مجموعة ما يسمى بمجموعة «العشرات» داخل قيادة الجماعة العليا والوسطى، وهم الذين حكم عليهم أو قضوا فى السجون عشر سنوات كمتهمين مع الأستاذ قطب فى قضية عام 1966، أن يغيروا تدريجياً من التركيب القيادى للجماعة خلال السنوات التى تلت وصوله لمنصب المرشد العام لصالح هذه المجموعة التى توصف أحياناً أخرى بالمجموعة القطبية، وصولاً إلى هيمنتها الكاملة عليها مع وصول مرسى للحكم، ثم عزله منه، حيث توافرت ظروف أكثر ملاءمة لإحكام هذه الهيمنة، ودفع الجماعة إلى الوضع الحالى الذى تمر به، اليوم، وهو موضوع المقال المقبل.