شهادة ضباط الأمن الوطني حول خلية «ردع» التي كشفت عن تشكيل الإخوان جناحًا مسلحًا استخدمته بعد 30 يونيو للاستيلاء على الحكم, وكيف كانت تفكر قياداتها أثناء وجود مرسي داخل القصر, إذ إن الهدف من تأسيس تلك المجموعات هو استخدامها في قمع معارضيها بديلًا عن جهاز الشرطة إلا أنها استخدمته عقب الإطاحة برجلها عن كرسي الرئاسة في محاولة لاسترداد الحكم بالقوة والإرهاب.
هذه الاعترافات من المتهمين وشهود الإثبات من الضباط تعيد للأذهان الفترة الأولى من حكم حركة حماس حينما كلف الرئيس الفلسطيني محمود عباس إسماعيل هنية، رأس القائمة التي حصلت على أعلى المقاعد البرلمانية، بتشكيل الحكومة, وبدلًا من أن تسعى حماس إلى دخول الكل الوطني وإلى عقد تحالفات لنيل الثقة من أوسع قطاع داخلي وخارجي ممكن لحكومة تقودها هي, قامت بتشكيل أجهزة موازية أولها وأهمها كان ما يسمى بـ«القوة التنفيذية» التي شكلها أول وزير داخلية لحكومة حماس سعيد صيام, وهو أيضًا من بادر إلى إنشاء اقتصاد الإنفاق لاحقًا وما ترتب عليه, فلم يجد أعضاء فتح وحدهم أنفسهم خارج إطار المشهد السياسي والمؤسسات الوطنية، بل معظم المواطنين الفلسطينيين أيضًا، بمن فيهم الذين منحوهم أصواتهم.
فضّلت حماس فرض سلطتها بالقوة بعد أن اكتشفت أن الانتخابات لا تكفي للهيمنة على السلطة الحقيقية والفعلية, ربما كانت تعتقد أن السيطرة على غزة أولًا سيعقبها السيطرة على الضفة الغربية ثانيًا, لكنها مع ذلك وعلى مدار سبعة أعوام فضّلت حكمًا منفردًا لغزة على شراكة في الحكم لكل الوطن.
تكاد تكون التجربة في مصر شديدة التشابه, لكن مع الفارق أن الإخوان المسلمين في مصر وصلوا إلى الحكم كاملًا، أي أنهم سيطروا على البرلمان أولًا, ومن ثم على الرئاسة ثانيًا, ورغم أنهم لم يواجهوا رفضًا دوليًا كما حدث مع حماس، بل حظوا بدعم ومباركة غير مسبوقة من المجتمع الدولي وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية - وهو عكس ما حدث مع حماس التي قاطعتها أمريكا وحاصرتها إسرائيل - غير أن الرفض الشعبي الداخلي كان كافيًا لإسقاط الإخوان في مصر بعد عام واحد فقط.
فهل هذا نجاح لحماس فيما فشل فيه الإخوان رغم أن وصول حماس للحكم كان قبل وصول الإخوان؟ الإجابة تعني تحديد أسباب عديدة، أهمها أن بقاء حماس في حكم غزة يعني الإبقاء على حالة التمزق والانقسام الفلسطيني, ولإسرائيل مصلحة في ذلك, فهي التي شجعت على تمكن حماس من حكم غزة وحرّضت على توجيه نيرانها للداخل الفلسطيني وعلى تقليم أظافرها المتجهة نحوها, وربما أن حماس اكتفت بنصف الكعكة وهي نصف السلطة، أي حكومة دون الرئاسة أولًا، ومن ثم غزة دون كل الوطن, لكن يقينًا لأن الفلسطينيين يفتقدون لمؤسسات أو مقومات الدولة العميقة كما الحال في مصر التي تمتلك مؤسسات الجيش والقضاء والإعلام والثقافة، إضافة إلى رأس المال والاستثمار الوطني, والذين توحدوا في مواجهة معركة إسقاط الإخوان, وربما لأن الإخوان في مصر لم يتمكنوا من بسط سيطرتهم العسكرية بالقدر الكافي الذي كانوا يخططون له مثل القوة التنفيذية التي تحوّلت مع الوقت إلى جيش يسيطر على غزة بالكامل, فقد سارع الجيش وأنقذ البلاد والعباد من براثن الاحتلال الإخواني الذي لو استمر قليلًا لفتك بالدولة وعراقتها.
لكن الأمر مختلف لدى الفلسطينيين الذين لا يملكون قوة عسكرية أو جيشًا نظاميًا، فهو غير مسموح بحسب اتفاقيات السلام, ولو كان هناك جيش وطني لقام بإسقاط حكم حماس في غزة بالقوة, كما فعلت هي ووصلت للحكم بالقوة, وربما لأن السلطة الفلسطينية قد وجدت في هذه المعادلة رغم أنها موجعة ومؤلمة ما يريحها, فحكم حماس لغزة قد أخرجها من الضفة وأبقى على قيادة السلطة وحدها في تمثيل الفلسطينيين على الصعيد السياسي والتفاوضي دون منغصات أو مزايدات تضع العراقيل وتذر الرماد في العيون.
في الحالة الفلسطينية قد يتغيّر المشهد السياسي تمامًا على ما هو عليه الآن, خاصة أن الانتخابات التشريعية التي جاءت بحماس على رأس الحكومة ومن ثم استئثارها بالحكم، قد انتهت قانونيًا عام 2010, والمطالبة بإجراء تلك الانتخابات يعني أن تسقط حماس ويسقط الانقسام القائم، بسبب سيطرتها على الحكم في غزة, فهذه الانتخابات ستكشف مدى التراجع الشعبي الذي لحق بالحركة والرفض الواضح لوجودها على رأس السلطة في غزة.