ايجى ميديا

الجمعة , 1 نوفمبر 2024
ايمان سمير تكتب -وقالوا عن الحرب)مني خليل تكتب -اثرياء الحرب يشعلون اسعار الذهبكيروش يمنح محمد الشناوي فرصة أخيرة قبل مواجهة السنغالايمان سمير تكتب -عيد حبعصام عبد الفتاح يوقف الحكم محمود بسيونيمني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الرابعالمصرى يرد على رفض الجبلاية تأجيل لقاء سيراميكا: لماذا لا نلعب 9 مارس؟مني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الثالثمني خليل - احسان عبد القدوس شكل وجدان الكتابة عنديالجزء الثاني / رواية غياهب الأيام كتبت / مني خليلإحاله المذيع حسام حداد للتحقيق وإيقافه عن العملتعاون بين الاتحاد المصري للدراجات النارية ودولة جيبوتي لإقامة بطولات مشتركةغياهب الايام - الجزء الاول - كتبت مني خليلاتحاد الكرة استحداث إدارة جديدة تحت مسمى إدارة اللاعبين المحترفين،كيروش يطالب معاونيه بتقرير عن فرق الدورى قبل مباراة السنغال| قائمة المنتخب الوطني المشاركة في نهائيات الأمم الأفريقية 🇪🇬 .... ⬇️⬇️اللجنة الاولمبية تعتمد مجلس نادي النصر برئاسة عبد الحقطارق رمضان يكشف سر عدم ترشح المستشار احمد جلال ابراهيم لانتخابات الزمالكنكشف البند الذي يمنع الدكتورة دينا الرفاعي من الاشراف علي الكرة النسائيةوائل جمعة نتتظر وصول كيروش

ماذا فعلت الثورة بأوكرانيا؟!

-  

فى البداية لابد من التأكيد على أن أى تشابه فى الوقائع أو الأحداث أو الشخصيات أو المفاهيم أو الرموز أو التواريخ التى تحدث فى واقع بلدان أخرى من العالم، مع ما يجرى فى دول «الربيع العربى» هو محض مصادفة غير مقصودة؛ وفى النهاية فإن كل البلدان والثورات ليست سواء، ومن ثم فإن التطابق غير وارد بالمرة. والحقيقة أن أوكرانيا فرضت نفسها علينا ثلاث مرات: مرة عندما زارنا الرئيس «السوفيتى» خروشوف فى الستينيات من القرن الماضى، وكان ذا أصول أكرانية وعد ذلك دليلا على عدم التمييز والوحدة التليدة داخل الاتحاد السوفيتى الذى انهار فيما بعد. ومرة أخرى عندما جرت فيها «الثورة البرتقالية» عام ٢٠٠٤ وكان ذلك بداية عقد كامل من الثورات الجديدة فى الجمهوريات السوفيتية السابقة؛ وكان لهذه الثورة تأثيرات بالغة علينا عندما تبنى د. أيمن نور اللون البرتقالى شعارا لحزبه «الغد» قبل أن ينشق ويتفتت بعد ذلك لعدة أحزاب كان آخرها «غد الثورة». ومرة ثالثة عندما مر قرابة عقد على الثورة «البرتقالية» حينما نشبت ثورة أخرى أطاحت برئيس سبقت الإطاحة به، وبينما وصلت الثورة إلى السلطة فإن أول نتائجها هو انفصال «جمهورية القرم» ذات الحكم الذاتى وإعلانها الرغبة فى الانضمام إلى الاتحاد الروسى، وبهذه الطريقة انقسمت أوكرانيا، ولكن الثورة لا تزال مستمرة.

والحقيقة الأخرى أننا لا نعرف الكثير عن أوكرانيا وما جرى فيها خلال التاريخ القريب، والبعيد أيضا، ولكن الثابت أن أوكرانيا كانت من تلك الأمم التعيسة التى كلفها موقعها الجغرافى غاليا حيث جرى التنافس عليها من قوى أكثر عزيمة حتى استقر بها الأمر فى كنف الاتحاد السوفيتى فى ١٥ نوفمبر ١٩٣٩، باعتبارها جمهورية خاصة ذات اعتبار خاص جعل لها مقعدا فى الأمم المتحدة، ولها من المكانة ما يلى روسيا مباشرة فى مراتب الجمهوريات السوفيتية ذات الأهمية. مثل هذا لم يجعل الأوكرانيين سعداء، وإنما يحلمون دوما بالاستقلال والحرية من الاتحاد السوفيتى والحكم الشيوعى؛ ولم يتوان الأوكرانيون عن استغلال الفرصة عندما انهار الاتحاد السوفيتى فأعلنوا الاستقلال فى ٢٤ أغسطس ١٩٩١. ولكن دخول «الحمام» الروسى سواء كان سوفيتيا اشتراكيا لينينيا، أو روسيا اتحاديا وكفى، ليس مثل «الخروج» منه، والانخراط مع الديمقراطيات الغربية المتقدمة؛ فكان ما كان وتحركت الأقليات الروسية لكى تستقل بإقليم، وتغرى إقليما آخر فى شرق أوكرانيا أن يحذو حذوه.

القصة الأوكرانية تستحق أن تروى كاملة، ولكن جوهرها أن السعى إلى الاستقلال والحرية والديمقراطية من الأمور المحمودة فى الأمم؛ ولكن ما لا يقل أهمية عن السعى إلى هذه الأهداف النبيلة، أن تعرف الشعوب ماذا سوف تفعل بها عندما تحصل عليها. لم تكن أوكرانيا بلدا سيئ الأحوال عندما حققت حلم الاستقلال الأخير عام ١٩٩١، فقد كانت من كبار المصدرين للقمح فى العالم، وفيها صناعات فضائية وللمعدات الصناعية يعتد بها، وبشكل ما فإنها نجحت فى التعامل مع الأقلية الروسية (١٧٪ من عدد السكان البالغ ٤٤ مليونا) عندما أعطت إقليم القرم حكما ذاتيا واسعا، وسمحت للأسطول الروسى أن يكون له قاعدة بحرية فى ميناء سيفاستبول على البحر الأسود. ولكن كل الأمور بعد ذلك سارت من سيئ إلى أسوأ حتى إن مستوى المعيشة انخفض بعد الاستقلال إلى درجة تراجع عدد السكان بما مقداره ١٥٠ ألف نسمة كل عام نتيجة ارتفاع معدل الوفيات (١٥,٢ لكل ألف) وانخفاض عدد المواليد (١٠,٨ لكل ألف)، ومعه انخفض متوسط العمر المتوقع عند الميلاد. لم تكن أوكرانيا على استعداد لدفع ثمن الحرية والاستقلال والديمقراطية، فمن ناحية انقسمت النخبة السياسية إلى من يريد اللحاق بالغرب خلاصا من القرب الروسى، واقترابا من أصول التقدم والليبرالية؛ ومن ناحية أخرى كان هناك من يريد أن يبقى فى الحضن الروسى. وسواء كان الأوكرانيون على هذا الجانب أو تلك فإن كليهما لم يكن على استعداد لإجراء إصلاح اقتصادى حقيقى، فكانت المقاومة لمقترحات التكيف الهيكلى القادمة من المؤسسات الدولية، فلم يكن هناك من هو على استعداد للتخلى عن الدعم والامتيازات الاشتراكية الوهمية، فكانت النتيجة زيادة الدين العام والدين الخارجى، فتراكمت الديون مع روسيا التى يأتى منها الغاز، ولم تعد الدولة قادرة على صيانة البنية الأساسية فضلا عن التوسع فيها. كانت المطالب كالعادة هائلة، والإمكانيات كالعادة أيضا محدودة، ولم يكن لدى النخبة شجاعة إعلان الحقيقة، ولا كان الشعب على استعداد لتقبل وجود علاقة اقتصادية بين العمل والإنتاج، وبعد عهد القلق والأزمات، والدساتير ذات «النظام المختلط» التى تحبه الدول التى لا تعرف طريقها، بدأ عهد الثورات فكانت «الثورة البرتقالية» فى ٢٠٠٤.

فى الظاهر فإن الثورة البرتقالية كانت صراعا ثوريا حول نزاهة الانتخابات التى أتت بفيكتور يانكوفيتش إلى السلطة بينما كان الفائز الحقيقى هو فيكتور يوتشنكو الذى حملته الجماهير الثورية على الأعناق لكى يقود البلاد إلى بر الأمان الثورى بالحرية والديمقراطية والتقدم. ولكن الوصول إلى السلطة كان أمرا، وفسادها كان أمرا آخر، ووسط حالة ثورية لا تتوقف محملة بتوقعات هائلة مع غياب الرغبة فى «العمل» من أجل تحقيق هذه التوقعات ودفع ثمنها بالعرق والدموع، تدهورت الأحوال أمنيا واقتصاديا. وكان الحظ تعيسا أيضا، فجاءت الأزمة المالية العالمية فى ٢٠٠٨و ٢٠٠٩، فتزاوجت مع الوضع الثورى، فكانت النتيجة هى انخفاض الاقتصاد الأوكرانى بنسبة ١٥٪، وتراكمت الديون أكثر مما كانت متراكمة وكان أكثرها تجاه روسيا مصدر الغاز الوحيد. سياسيا كانت النتيجة هى عودة فيكتور يانكوفيتش مرة أخرى إلى السلطة عام ٢٠١٠؛ وحسب التعبيرات الشائعة، عاد النظام القديم مرة أخرى إلى الحكم، فى دولة تناقصت مناعتها وقدراتها ومكانتها. وعندما تصل دولة إلى هذه الحالة فإنها تصبح مطمعا للقريب والغريب، فبدا الاتحاد الأوروبى على استعداد لعقد اتفاق ارتباط مع أوكرانيا يفتح الباب لها لعضوية النادى الأوروبى حتى بعد سنوات طويلة؛ ولكن روسيا كانت هى الأخرى على استعداد للارتباط بالدولة التى حان قطافها. ولما كانت الثورة مستمرة فإن حالة القلق السياسى والاجتماعى ظلت حادة، جعلت يانكوفيتش لا يجد مناصا من رفض الاتفاق مع أوروبا والاقتراب من روسيا. كان الاتحاد الأوروبى له شروط مضنية ومرهقة، وتتطلب انضباطا ماليا وعملا شاقا، وعلاقة بين العمل والإنتاج، ونبذا للمصالح «الفئوية»، وانضباطا وطنيا تتحد فيه الأمة وتسير فى اتجاه العمل من خلال المؤسسات، وبقيم ليبرالية وديمقراطية حقة. روسيا على الجانب الآخر لم يكن لديها أيا من هذه المطالب، ولديها جيش جبار جرار يقوم بمناورات على الحدود، وفى يد قادتها أوراق الديون وفوائدها، ولها أقلية نشطة فى القرم وشرق أوكرانيا ليست على استعداد للدخول فى تجربة تضحيات مماثلة لتلك التى مرت بها دول أوروبا الشرقية والوسطى.

اختيار يانكوفيتش لروسيا كان كافيا لنشوب ثورة أخرى، وفى عصر الثورات المستمرة والشعبية التى تعرف الميادين فإنه لا يعود معلوما رقم الثورة التى نشبت فى نوفمبر ٢٠١٣، حتى إن لون البرتقال بدا غائبا هذه المرة. ظل حلم الارتباط بأوروبا قائما لدى الثوار، ولكنهم لم يكونوا على استعداد لدفع ثمنه من علاقات مختلفة مع الأقلية الروسية، ولا أن تكون أوكرانيا بلدا أوروبيا بحق ويستطيع الالتحاق بالاتحاد الأوروبى. دفعوا ثمنا من الشهداء كانوا مائة، ومعهم كان آلاف الجرحى، ولكن الشهداء والجرحى صاروا أرقاما فى سلسلة طويلة من الشقاء والموت بدأت مع الاستقلال وارتفعت مع «الثورة البرتقالية»، وصعدت مع الثورة المضادة، وحينما جاءت الثورة على الثورة كانت هناك ثورة أخرى فى القرم وشرق البلاد تكفى لتفكيك أوكرانيا ودخول القوات الروسية لاحتلال جزء استراتيجى من الدولة. انكمشت أوكرانيا وصارت بلدا آخر، ويقال إنه مع انكماشها بدأت حرب باردة جديدة، ولكن ذلك قصة أخرى على أى حال.

التعليقات