أدهشنى وأعجبنى منذ سنوات شعار رفعه المهندس محلب. فعندما احترق مبنى مجلس الشورى وتولى المقاولون العرب إعادة بنائه، رفع محلب لافتة تحذيرية «إذا لم تطفئ النار فى الخمس دقائق الأولى، فلن تستطيع إطفاءها» تلقنت الدرس. وأعتقد أن محلب يطبقه الآن فهو يلاحق الأزمات قبل انفجارها، ولكن النار تطفأ بكثير من الماء بينما المطالب الفئوية تطفأ بكثير جداً من المال. وأعتقد أن إزاحة الببلاوى وإحضار محلب كانت مجرد محاولة لتأجيل التهاب المطالب الشعبية وهى كثيرة وحتمية الحل.
وهدأت المطالب هدوء المتربص لأن «علشان خاطرى» و«أحبوا بلدكم» مسكنات وليست علاجاً، والعلاج يحتاج وضوحاً وشجاعة. وابتداءً أقول لمحلب، لا تفعل ما فعله سابقوك فيخيل إليك أنك باق أبداً، فتنغمس فى وهم مشاريع عملاقه تأتى ثمارها ـ إن أتت - بعد عقود من الزمان. هى ضرورية ولكن الأطفال جوعى والجوع كافر وخاصة جوع الأبناء. فاعتبر أن مهمتك محدودة بأشهر ثلاثة حتى يأتى البرلمان. فافعل شيئاً الآن ومهد لبرلمان يليق بك أو تليق به. والأشهر الثلاثة تحتاج برنامجاً أهمه استعادة مصداقية الحكم. وها أنت تحققها ولكن ويل لك ولنا ولمصر لو تسربت هذه المصداقية، ساعتها سيكون التهاب الحريق. والمطلب الشعبى بسيط «عيش – حرية – عدالة اجتماعية – كرامة إنسانية» فتمسك بالكلمات وامنحها قدراً من التنفيذ الفورى مصحوباً بمفاتيح لأبواب الرضاء الشعبى الذى لن يكون بغير عدل اجتماعى حقيقى، ولا تصدق أبداً مزاعم الجهابذة بأن العدل الاجتماعى سيقلل من فرص الاستثمار، فبدون عدل اجتماعى تطل بداياته فوراً وتتحدد أهدافه فوراً لن يكون لوزارتك بقاء ولا للاستثمار فرصة فاللهيب سيطيح بكامل المبنى. لا تستمع لجهابذة الرأسمالية المتوحشة واتخذ قرارين ضروريين «ضرائب تصاعدية حقيقية» و«ضرائب على أرباح البورصة» وأعرف أن الجهابذة سيضعون العقدة فى المنشار، ولكن صدقنى هى أكاذيب تبرر فقط وحشية المكاسب والثراء ووحشية الفقر والجوع. صدقنى فعشرات الدول تفعل ذلك والاستثمار موجود والاستقرار سيجلب المزيد. افعلها تضمن لنفسك ولنا ولمصر عدلاً واستقراراً وقدرة على النهوض. وبعد الثلاثة أشهر ستكون مصر بما فعلت – هذا إن فعلت – أفضل وأكثر قدرة على اتخاذ الخطوة التالية وهى انتخاب برلمان يتفق مع الهدفين.
ولا بد أنك تعرف أن ثمة كمينا معدا للرئيس القادم ولك عبر مليارات تدفقت وستتدفق على مرشحين للبرلمان «إخوان، ومتأخونين، ومحترفى التسول من الخارج وخصوم ألداء للعدل الاجتماعى والمرتزقة المتمرسين، وممثلين للرأسمالية المتوحشة، وأصحاب الكمين يعرفون أن سلطات الرئيس محدودة أمام سلطات البرلمان فيأتون بأموالهم بمن يقفون ضده وضدك وضد كل محاولة لفرض مصالح الجماهير.. فيشتعل اللهيب. وأعرف أن جهابذة آخرين سيعقدون أمامك الأمر ويؤكدون أنه لا يمكن إيقاف الإنفاق المجنون، وأن أى إجراء لمنعه سيهدم الديمقراطية، ولكن أليس أساس الديمقراطية هو التكافؤ والمساواة فى الفرص. فهل ستكون ديمقراطية إذا أنفق مرشح نيابى عشرة أو عشرين مليوناً "وهو مش غرمان حاجة" فالأموال الأمريكية والأوروبية والإيرانية والقطرية والتركية ستغرق المتسولين والمرتزقة بتلال من المال يغرق أمامها كل مرشح آخر، ثم يأتى نواب يفرضون وحشية الرأسمالية ويفرضون معها ثورة الجياع التى تتربص بنا من الآن. فهم يريدون مصر مفككة كالدول المحيطة بنا. ويا سيدى هذه هى النصيحة المخلصة والملتزمة بالمستقبل المأمون والمأمول لوطن يستحق أن ينهض.
ويا سيدى.. أمامك فاختر أى نهجين تنهج – طريقان شتى مستقيم وأعوج. ومصر تنتظر.. إن خيراً فخير وإن شراً فشر.