يعتبر توقيت المبادرة المصرية لمكافحة الارهاب التي قدمها وزير الخارجية المصري مهما للغاية، ولكن حتى تكتمل المبادرة بشكل فعال لابد أن تنخرط وسائل الإعلام مع باقي مؤسسات الدولة لزيادة فاعليتها وتأثيرها.
فأجهزة المخابرات مع وزارة الداخلية تستطيع مراقبة الأنظمة الإرهابية وضبطها والقبض عليها، ولكن نأتي للجانب الآخر وهو محاربة الإرهاب فكرياً وثقافياً ومجتمعياً . وهو دور هام يقع على عاتق وسائل الإعلام . فمن خلال وسائل الإعلام الحديثة يمكن الوصول لأعمار ومستويات اجتماعية مختلفة.
فوسائل الإعلام لها دور رئيسي في غرس القيم والتأثير في سلوكيات المتلقي وتكوين الاتجاهات الفكرية. وبما أنها قادرة على غرس قيم اجتماعية متعددة، فمما لاشك فيه أنها قادرة على غرس المفاهيم المتعلقة بالوحدة الوطنية وحب الوطن والانتماء له .
لذلك يتطلب من القائمين على المبادرة دمج وسائل الإعلام كطرف هام، ووضع خطة إعلامية طويلة المدى من خلال أنماط برامجية مختلفة. فالنمط السائد حالياً في وسائل الإعلام من تنديد بالأعمال الإرهابية ليس كافياً ولا يعمل على غرس قيم أو مبادئ .
كما أنها لا تقتصر فقط على البرامج الحوارية اليومية، لكنهما تبدأ من سن الصغر والبرامج الإعلامية التعليمية الترفيهية الموجهة للأطفال والتي ترسخ مجموعة من القيم مثل الاحترام والتعاون والمحبة والتسامح من خلال البرامج المخصصة لهم .
بالإضافة إلى الدراما وما تستطيع غرسه بشكل غير مباشرة في الشباب، خاصة أن الوطن العربي بصفة عامة ومصر بصفة خاصة غنية بالإنتاج الدرامي الذي في استطاعته أن يقوم بتوعية المراهقين وغرس القيم المختلفة ومساعدتهم في استيعابهم للعادات المجتمعية والتعرف على دورهم في المجتمع. كما يمكن تقديم برامج تربوية (تختلف عن البرامج الدينية المختصة بشرح المفاهيم والمعتقدات الدينية)، لكنها برامج تهتم بالنشأ القادم فتعزز فكرة الحوار واحترام الآخر وتقوم بطرح أفكار وآراء بين أفراد المجتمع التي تهدف إلى تقريب وجهات النظر المختلفة لتجنب الصدام بينه وبين القائمين على تنشئته. كما أنها تقوم بتوعيتهم بالقيم والعادات الاجتماعية مع توضيح ضرورة معاقبة الخارجين عليها.
يجب أن تدخل وسائل الإعلام في هذه العملية الثقافية والفكرية بشكل فعال وعن طريق خطة محددة الأهداف. ليس بالضرورة أن تكون هناك مبادرة ملزمة بذلك، وليس من الضروري أن تتوقف تلك النوعية من البرامج بعد انتهاء المبادرة. فكثير من الدول الأوروبية يفرض على الإعلام العام والخاص تقديم عدد معين من الساعات ومن البرامج لمختلف الأعمار التي تهدف للحفاظ على الهوية الوطنية وتقوية الشعور بالانتماء.
أصبحت مصادر المعرفة متعددة وسهلة النفاذ إلى جميع الأعمار، مما قد يؤدي إلى الوقوع فريسة في أيدي وسائل إعلامية أو مصادر محرضة على الكراهية والعنف وعدم تقبل الآخر الذي قد يصل إلى تكفيره في بعض الأحيان. ولكن يمكن أيضاً استخدامها لجذب جمهور متنوع ومختلف من حيث الاتجاهات والخلفيات والنظم التعليمية. لذلك على وسائل الإعلام الانتباه لهذا الدور الفعال ويجب أن يكون بالتعاون مع المؤسسات التعليمية (المدارس والجامعات) والدينية (الأزهر والكنيسة) في المحاربة الفكرية الثقافية للنظم الإرهابية القائمة على الترهيب والعنف وعدم تقبل الآخر .