جاء يوم نسمع فيه أن رئيس الجمهورية يستعد لمغادرة القصر الرئاسى.. أتكلم عن عدلى منصور.. لا استخدم الحرس الجمهورى للبقاء، ولا استخدم الجيش ولا الشرطة، ولا استخدم الحكومة.. هكذا تغيرنا.. صحيح أن عدلى منصور حالة خاصة، لكنه سيبقى نقطة مضيئة فى التاريخ.. الكراسى لا تصنع رجل دولة.. مرسى لم يكن شيئاً مذكوراً.. اضطررنا بعده للكشف على القوى العقلية لمرشحى الرئاسة!
لم أصدق عينى حين شاهدت الرئيس منصور يقول: عاوز أمشى.. أى واحد غيره كان يتمنى لو استمر سنوات.. أخيراً فى مصر رئيس جمهورية يريد أن يمشى.. فلا أبهة ولا إغراء للمنصب الرئاسى.. لو نظرت إلى وجه المشير السيسى ستعرف أنه لا يريد أن يبقى رئيساً.. ملامحه تغيرت فى ستة أشهر.. قبل 30 يونيو غير بعد 30 يونيو.. هكذا أصبحت المسؤولية.. فلا هى نزهة، ولا هى فرصة للرئيس!
التجربة التى عشناها مع الإخوان كانت مريرة.. الرئيس المعزول كسّر كل القواعد داخل القصر الرئاسى.. الدكتور مصطفى الفقى يقدم لنا صورة مما كان يجرى داخل القصر.. قال فى «سنوات الفرص الضائعة» إن السادات حين جاء بعد عبدالناصر لم يكن أحد يتصور أنه يصلح لشىء.. فلا هو سيصبح رجل دولة ولا رئيساً ولا زعيماً.. أصبح كل هذا.. يحاول إثبات أن الكرسى يصنع الفرعون!
أختلف بالطبع مع ما قاله الدكتور الفقى.. الكرسى لم يصنع السادات.. السادات صنع الكرسى.. صنع زعامته.. مبارك مثلاً لم يكن زعيماً.. كان رئيساً ورجل دولة.. مرسى بعده لم يكن رئيساً، ولا رجل دولة.. المعيار هنا فى المهارات الشخصية.. الكرسى لم يصنع منه شيئاً.. عدلى منصور أعاد للمنصب هيبته.. صحيح أنه جاء فى ظرف مؤقت لكنه ظهر كرجل دولة، وأقنعنا به كرئيس وطنى نادر!
هناك مسألة أخرى تتعلق بالظرف التاريخى.. لا يختلف الدكتور مصطفى الفقى معى بشأنها.. هذا الظرف جعل من عبدالناصر زعيماً.. أيضاً هو الذى جعل من السيسى بطلاً شعبياً.. ليس الكرسى بالمرة.. أعترف أن الكراسى تصنع بعض الناس.. لكن بعض الناس تصنع الكراسى أيضاً.. مصطفى النحاس كان من هذا النوع.. أصبح زعيماً شعبياً.. أطلق عليه المؤرخون «نبى الوطنية» فيما بعد!
الرئيس المعزول حين جاء إلى الحكم شغلنا بالصلاة فى المساجد أكثر مما شغلنا بالإنتاج.. شوّه قصر الرئاسة التاريخى.. أزال مقتنيات نادرة، أهمها خريطة القطر المصرى.. تنازل عن حلايب وشلاتين.. تنازل عن جزء غال من سيناء.. لا يؤمن بفكرة الوطن.. استدعت الضرورة أهمية الكشف الطبى على القوى العقلية والنفسية لمرشحى الرئاسة.. ليس كل واحد يصلح أن يكون رئيساً!
حكاية الفرعون انتهت مع الثورة.. لا خوف من أى رئيس قادم.. لا أظن أن الكرسى سوف يصنع فرعوناً جديداً.. نريد رجل دولة.. نريد رئيس جمهورية يحترم قواعد الديمقراطية.. يؤمن بفكرة الوطن والمواطنة.. يؤمن بأنه سوف يأتى يوم ويمشى بإرادته.. دون أن تندلع ثورة تطيح به من القصر.. مثل الرئيس المعزول!