هناك أشياء يجب عليك أن تنتظرها لأنها لن تنتظرك.. القطار مثلًا. لكن هناك أشياء لا يليق بها الانتظار.. الرزق مثلا. لا بديل عن أن تتحرك باتجاهه. الحركة لن تخلق الرزق طبعا، ولكن كما قال الشيخ الشعراوى مرة، الحركة لن تخلق شيئا ولكن الحركة هى «بطاقة تموين»، البطاقة لن تخلق «زيت أو سكر» ولكن من دونها لن تستطيع أن تصرف نصيبك منهما. الامتناع عن الحركة فى انتظار أن يسقط رزقك فى حجرك هو سوء أدب مع الله، فأنت هنا تختبر الله وتختبر تقسيمه للرزق. الأدب أن تتحرك وأنت توقن تماما أن رزقك ليس مكافأة على الحركة، لكنه التماس للأسباب دون أن تقع فى خطيئة عبادة الأسباب ونسيان المسبب. ستتحرك لأنه يريد منك أن ترى معجزته فيك، لكن يقينك أنك تتحرك فى الطريق الصحيح هو أيضا سوء أدب، أبَى الله أن يرزق العبد إلا من حيث لا يعلم. الرزق أكثر مهارة منك، لديه خط سير أوضح من خط سيرك. أنت تبحث عنه كمحطة وصول فى نهاية الطريق، بينما هو ينتظرك فى تقاطعات الطرق. هو جاد فى البحث عنك أكثر من جديتك فى البحث عنه، ومعرفة أن ما وقع بين يديك هو رزق تحتاج منك إلى ذوق عالٍ، فكل أمر المؤمن خير، والرزق خير، وكما يقول الأكابر: البلاء هو المسافة بين خير وآخر، وكل خير بلاء، وكل بلاء خير. قد تكون أضعف من أن تتحرك، فيرزقك الله من باب «الفضل»، كما يقول الإمام على، لكنه يرزقك من باب «العدل» لأنك سعيت، وقدرتك على السعى مع التخاذل عنها هو اختبار لهذا العدل. قال الأكابر «اهتم ولا تهتم». أى لا بد من أن تظهر اهتمامك دون أن يجعلك هذا تحمل الهم، عرفت أن رزقك لن يذهب إلى غيرك فودعت القلق دون أن تودع الهمة. افتح الرادار ولا يقلقك غياب الإشارة، إشارات الله لا تنقطع، وهى نعم كبيرة، وهو يقول لا بد لنعمتى من آخذٍ، ولو فكرت قليلا لفهمت الإشارة فى أنه خلق الجنة أولا ثم خلقك. أو كما قال السكندرى: أندخلك دارى، ونمنعك إبرارى؟ أنبرزك لكونى، ونمنعك وجود عونى؟ أنخرجك إلى وجودى، ونمنعك جودى؟ أيها العبد: لو سألتنى أن أمنعك رزقى ما أجبتك، ولو سألتنى أن أحرمك من فضلى ما حرمتك، فكيف وأنت دائما تسألنى، وكثيرا ما تطلب منى؟ فاستح منى إن كنت لا تستحى منى، وافهم عنى، ولقد أعطى كل العطاء من فهم عنى.
عمر طاهر يكتب: رزق
مقالات -
عمر طاهر