بضعة أسطر فى جريدة رحيل إيناس بكر، هل تعرفون هذا الاسم؟ شىء ما غامض جمع بينها وعمر الشريف فصارت هى الأقرب إليه، هى عند الصحفيين والإعلام معروفة بأنها سكرتيرة عمر الشريف، تتولّى تنظيم مواعيده، تدرك كل شطحاته، تعرف متى يتعكّر مزاجه وتنفلت ردود فعله ولا يستطيع ضبط انفعالاته، ومتى يصفو ويعود طفلًا وبراءة الأطفال فى عينيه، فكانت تتدخّل فى تلك اللحظات الحاسمة. تفعل كل ذلك بحب، لا تريد شهرة ولا أضواء ولا فلوس، ولم يكن عمر يمنحها شيئًا معنويًّا أو ماديًّا، لم تقل ذلك مباشرة، ولكنها الحقيقة التى تعرفها الدائرة القريبة لعمر، ليس عن بخل أو شُحّ، عمر لا يعرف الأموال التى تدخل أو تخرج من جيبه، ولديه قناعة أن الله يرزقه دائمًا فى الوقت المناسب، عمر يحتاج إلى مَن يقول له ويذكّره، وهى كانت تفعل ذلك فى كل شؤون حياته ما عدا ما يتعلّق شخصيًّا بها، حياؤها يمنعها. دورها تنظيم مفردات حياته لتحيل الفوضى إلى نظام، ولكن الفوضى أيضًا كانت لها فوائدها، فهى أيضًا مثل عمر ليست منضبطة تمامًا، فكان هناك ما يمكن أن نطلق عليه الفوضى الخلاقة -الخلاقة بحق وحقيق- وسوف أضرب لكم بواحدة، قبل نحو سبع سنوات تسببت هذه الفوضى فى أن يذهب عمر الشريف إلى «مهرجان الإذاعة والتليفزيون» لكى يوزّع الجوائز على الفائزين، ولم يكن يعنيه إطلاقًا الذهاب إلى المهرجان، قرأت إيناس الدعوة «مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون» اعتقدت أنه «القاهرة السينمائى»، وعمر الشريف هو رئيس شرف لمهرجان القاهرة السينمائى ومن واجباته بالطبع الحضور فى حفل الختام وذهب إلى مدينة 6 أكتوبر، وفى أثناء دخوله إلى المسرح لمح على المسرح أنس الفقى وزير الإعلام، تعجب لأن المفروض أن يجد فاروق حسنى وزير الثقافة، ووجد نفسه مدعوًّا إلى المسرح لتوزيع الجوائز، وأشادت الصحافة بموقف عمر، ولم يعرف أحد أنها من مكاسب الفوضى الخلاقة. إيناس توافقت مع طبيعة عمر، كتبت له مسلسل «حنان وحنين»، وعندما تعثّروا فى العثور على المخرج، تولّت هى المسؤولية، بداية الدخول للدائرة كانت مع تحفيظه كل أدواره مع بدايات عودته إلى مصر فى الثمانينيات عندما قدّم فيلم «أيوب» وبعده «الأراجوز» ثم «المواطن مصرى» «وحسن ومرقص»، فهى تدرك بحسّها أن عمر لديه مفاتيح خاصة، وانتقلت من الاستوديو لتصبح مسؤولة عن عمر فى تفاصيل حياته خارج الاستوديو بالقاهرة. قبل خمسة أشهر لاحقت عمر شائعة إصابته بـ«الزهايمر» وبدأت الصحافة تكتب باستفاضة، فكانت إيناس هى التى تنفى رغم أنه فى النهاية مرض يستحق منا أن ندعو للمريض به بالشفاء، الصحافة أحيانًا لا تعنيها الحقيقة، ولكنها تلهث وراء الفضيحة أو ما تعتقد أنه فضيحة، تولّت إيناس بكل ما أوتيت من قوة بالتكذيب، كانت إيناس فى تلك الأوقات تقاوم المرض الشرس الذى انتقل إلى عظمها بعد أن سكن جسدها قبل نحو ثلاثين عامًا ومنحت له على سبيل المقايضة ثدييها، ولكنه أطل مرة أخرى يريد المزيد. أعرف إيناس قبل 30 عامًا وهى كاتبة سيناريو لها نحو سبعة أفلام أشهرها الفيلم التليفزيونى «الجسر» بطولة محمود مرسى وإخراج عمرو بيومى، هو عمل فنى جيد كان من المفروض أن يحظى باهتمام نقدى أكبر. إيناس فى بداية مشوارها كانت تكتب من الباطن، لها العديد من الأفلام منسوبة إلى آخرين، وكانت حريصة على عدم الإشارة إليهم، وحكت لى أن المخرجين كانوا يتندرون على الكاتب الذى كان أحيانًا بسبب السرعة يقدّم لهم الأوراق بعضها بخط يدها فيداعبونه، قائلين له: حلو قوى رائحة العطر الحريمى المرة دى، وروت لى كيف أنها عندما أرادت زيادة أجرها فقالت للكاتب الشهير إنها تكتب فى الكافيتيريا بعد أن تشرب عددًا من فناجين القهوة وإن ثمن المشاريب ارتفع، فوصلت الرسالة وزاد الأجر بما يتناسب والارتفاع فى سعر القهوة. إيناس إنسانة لا تبحث عن شهرة، فهى مثلًا لم ترو شيئًا عن عمر الشريف فى حياته وبالتأكيد تملك الكثير من الأسرار التى طلبتها الفضائيات وعرضوا عليها مقابلًا ماديًّا كبيرًا، ولكنها أرادت أن تظل كاتمة الأسرار التى لا تبوح بشىء، ولا أدرى هل يتذكّرها عمر الشريف الآن ولو بكلمة.
طارق الشناوي يكتب: كاتمة أسرار عمر الشريف
مقالات -
طارق الشناوي