فتحت المغسلة وخرج منها... كأنه دخلها بالأمس فقط / خرج منفوشا بلونه الأحمر ورائحته النفاذة وعينه التى لا تخفى عصبيته.خرج بانتفاخه كبالونة ستنفجر بعد قليل... هكذا لم يكن خروج محمد إبراهيم سليمان كسابقيه من رجال مبارك. فهو لم ينزو مثلهم.. بل فجر على الشاشة مشاعر مظلوميته / وقدم نفسه على أنه ضحية / لم يحدد جلادها / فهو أحد الذين ألقى بهم مبارك فى مغسلة الوحوش / لكنه حين استعرض الظلم ألقى به على شماعة الإخوان. ومغسلة الوحوش أحد أسرار العهود القديمة فى الحكم. كلما ازداد الغضب الشعبى فتحت أبواب المغسلة وألقى فيها بوحش من الوحوش الضارية فى السلطة / ليهدأ الغضب وتنظف سمعة الحكم / السلطة / النخبة / الدولة. سليمان أشهر من ألقت بهم الأقدار فى مغسلة الوحوش. وكان دخوله المغسلة (أكتوبر 2010) مشهدا انتظرته جماهير غفيرة لسنوات طويلة، لكنه حدث فقط عندما أراد النظام تشغيل المغسلة فى لحظة يدافع فيها عن سمعته. إبراهيم سليمان ظل يقاوم حتى اللحظة الأخيرة.. واعتمد على براعته القديمة فى الهروب من مصائد الوحوش.... هو أشهر وزير إسكان استمر أكثر من 12 سنة فى منصبه مستمتعا بإمبراطورية واسعة النفوذ على أراضى الدولة.. استغل فيها منصبه فى تكوين ثروات له ولعائلته. وتحكى التحقيقات عن طرائف التوزيع الإمبراطورى.. التى وصلت إلى منح ابنه (عمره 12 سنة) قطعة أرض كانت مساحتها ساعة التخصيص 1000 متر، لكنها مع القياس الأول تحولت إلى 2500 متر، وعند التسليم وصلت إلى 4000 متر.. بعدما قرر الوزير الأب أن يضم 4 قطع فى قطعة واحدة تحمل نفس الرقم، لتكون من نصيب الابن. عاش سليمان فى محمية قوية (من المحميات السياسية) طوال مهمته الوزارية رغم نبش الصحافة الحزبية والمستقلة وأحيانا الحكومية خلف ممارساته التى قالت تقارير الرقابة الإدارية إنها تتضمن رشوة 20 مليون جنيه (4 ملايين دولار تقريبا) و10 آلاف متر أراضى ضمها إلى ممتلكات عائلته. نبش الصحافة وتفتيشها فى الملفات السوداء لم يصل إلى شىء.. لأن سليمان «تحت الحماية».. وبعد أن أزيح من منصبه استمرت الحماية.. ومنحه مبارك وسام الجمهورية تقديرا لـ«جهوده». هكذا كان فتح ملفات إبراهيم سليمان من جديد. خبر صاعق.. هو ابن النظام البار يدفع فاتورة أكبر منه.. فاتورة غسيل السمعة.. واختيار لحظة المحاكمة. سليمان شاطر وموهوب فى تظبيط أوضاعه وتشبيك علاقاته، وهذا ما جعله ينجح فى إحراج الصحافة كلها واعتذر له الصحفيون لينقذوا زملاء لهم حبستهم المحكمة لأنهم كتبوا عن المخالفات والفساد. هو أيضا عصبى يفقد أعصابه بسهولة.. ومن السهل إثارته وعندما يكتشف أنه فى مصيدة (أسئلة) يكشف عن أنياب تحت الوجه اللامع.. عن شعور بالقوة يغطى اهتزازا حقيقيا. هو نجم لامع فى مناخ فساد كامل الأوصاف.. حكومة ومعارضة (له علاقات وثيقة مع رؤساء تحرير صحف حزبية تدافع عنه وتحميه من خصم ربما فى صحف الحكومة).. صحافة وتليفزيون ووزراء ومسؤولين.. وحماية عليا. محمية سياسية هى النصف الآخر من اللعب المعقد فى دولة الملفات. كل كبير فى السلطة يمسك بملفات على الآخرين.. المنافسين أو مشاريع المنافسين. الملف هو أداة السيطرة على الجميع.. تخزن فيه معلومات وأسرار من أدق تفصيلة إلى أكبر فضيحة.. تفتح الملفات بأوامر عليا وطبعا تغلق بنفس اليد. ليس هناك أحد قريب من السلطة أو عبر الواجهات الأمامية للمجتمع إلا وله ملف.. إما فضيحة جنسية أو أوراق فساد أو علاقات سياسية مع أنظمة تشترى وتبيع فى المغرمين بالولاء والمحبة مدفوعة الأجر. ولهذا خرج سليمان من المغسلة غاضبا / فهو «ليس فاسدا من وجهة نظره إلا إذا عاملت ثروته بالأوراق أو بالقانون لكن إذا قارنتها بالآخرين فهو طفل من أطفال الثروات المذهلة». غضب سليمان جعله يكشف عن «لا وعى..»، الدولة كلها فهو صرخ «الشعب فاسد ويخرب البلد»، وهذه نظرة حقيقية من الدولة التى تعتبر نفسها أرقى من الشعب.. نظرها لا يكشفها إلا شخص منفلت، بينما تغطى الخطابات العاطفية لأبناء هذه الدولة على حقيقة عمرها سنوات الدولة الحديثة كلها. .. (من حكايات القاهرة)
وائل عبد الفتاح يكتب: إنهم يحتقرون الشعب.. أليس كذلك؟
مقالات -
وائل عبد الفتاح