ايجى ميديا

السبت , 23 نوفمبر 2024
ايمان سمير تكتب -وقالوا عن الحرب)مني خليل تكتب -اثرياء الحرب يشعلون اسعار الذهبكيروش يمنح محمد الشناوي فرصة أخيرة قبل مواجهة السنغالايمان سمير تكتب -عيد حبعصام عبد الفتاح يوقف الحكم محمود بسيونيمني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الرابعالمصرى يرد على رفض الجبلاية تأجيل لقاء سيراميكا: لماذا لا نلعب 9 مارس؟مني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الثالثمني خليل - احسان عبد القدوس شكل وجدان الكتابة عنديالجزء الثاني / رواية غياهب الأيام كتبت / مني خليلإحاله المذيع حسام حداد للتحقيق وإيقافه عن العملتعاون بين الاتحاد المصري للدراجات النارية ودولة جيبوتي لإقامة بطولات مشتركةغياهب الايام - الجزء الاول - كتبت مني خليلاتحاد الكرة استحداث إدارة جديدة تحت مسمى إدارة اللاعبين المحترفين،كيروش يطالب معاونيه بتقرير عن فرق الدورى قبل مباراة السنغال| قائمة المنتخب الوطني المشاركة في نهائيات الأمم الأفريقية 🇪🇬 .... ⬇️⬇️اللجنة الاولمبية تعتمد مجلس نادي النصر برئاسة عبد الحقطارق رمضان يكشف سر عدم ترشح المستشار احمد جلال ابراهيم لانتخابات الزمالكنكشف البند الذي يمنع الدكتورة دينا الرفاعي من الاشراف علي الكرة النسائيةوائل جمعة نتتظر وصول كيروش

ننشر مذكرات تحية كاريوكا للكاتب الكبير صالح مرسي الحلقة العشرون

-  
تحية كاريوكا

العثور على مذكرات كاريوكا أشبه بالحصول على كنز، فمذكرات تحية كاريوكا لا تعكس فقط قصة حياة أشهر راقصة عرفتها مصر، لكنها تعكس صورة لحال البسطاء والحكومات فى مصر طوال ما يزيد على نصف قرن من الزمن. ولدت قبل 14 يومًا فقط من قيام ثورة 1919، وعاشت أجواء حرب 1948 ووقفت إلى جوار الفدائيين وساعدت فى نقل الأسلحة إليهم، وحين رأت أن ثورة يوليو انحرفت عن مسارها انتقدتها، ودفعت الثمن، ودخلت السجن. لكن الأجمل والأهم والأمتع هو أن تقرأ هذه المذكرات بقلم العم صالح مرسى الأديب الذى جعل من الجاسوسية أدبًا وفنًا. فتحية إلى «كاريوكا» بنت البلد المصرية الصميمة، الخالصة، المُخلصة، الشُجاعة، الجدعة، وتحية إلى المبدع الرائع الراحل صالح مرسى، فكلاهما لم يرحل عن القلب والذاكرة رغم رحيلهما عن الدنيا.

رغم كل هذا كانت تحية لا تزال راقصة تخطو خطواتها الأولى فى عالم الفن. لم تكن قد انفصلت عن بديعة، بل هى لم تكن تجرؤ على هذا الانفصال، فلقد كان إحساسها بالانتماء إلى هذه السيدة أكبر من أن تفصمه!غير أن كاريوكا كانت قد أصبحت فى تلك الأيام ممثل الموضة.. كانت تصفع الأمراء -مثلما فعلت مع الأمير عطا حسن- وترفض الرقص أمام الملكة نازلى، وتسب من يعتدى عليها، وتحمل لسانها على كتفها لتدرأ الخطر أو الظلم عمن يقعون فى طريقها.. كانت قد أصبحت موضة فى وسط الطبقة الأرستقراطية، وكان محمود شكوكو وثريا حلمى وإسماعيل يس يصعدون أيضا فى تلك الأيام سلم الشهرة إلى قاعدة الشعب العريضة. والذين يعرفون تحية كاريوكا جيدا -الآن- وبعد مرور كل هذه السنوات يدهشون أشد الدهشة لهذه السيدة التى تغيرت كثيرًا، وتغيرت فيها أشياء عديدة، لكنها لا تزال تحتفظ حتى اليوم بتلك السمات الأساسية التى كوَّنت شخصيتها، وجعلت منها هذه السيدة صاحبة التاريخ. لقد كانت تحية كاريوكا طفلة ذات يوم، لكنها أبدًا لم تمارس طفولتها.. ومنذ الرابعة من عمرها وهى تلقى الهوان والعذاب أشكالا وألوانا، فبقيت طفلة فى أعماقها دائما، وعندما كبرت، وعندما أصبحت ما أصبحت عليه، راحت تمارس طفولتها، وكانت دائما ما تتصرف مثل طفلة. إن تحية كاريوكا التى بلغت الخمسين من عمرها هذه الأيام، لا تزال تهوى لِعب الأطفال، وتشتريها، وتلعب بها.. أحب هذه اللعب إلى نفسها «العرائس»، وإذا ما اشترت تحية عروسة حافظت عليها، ورعتها، ودللتها، حتى إذا سئمت منها أعطتها لأى طفل يصادفها، أما قبل ذلك، فالويل لمن تمس يده عروستها المفضلة.

وبهذه الروح اقتحمت تحية كل الأوساط الفنية والأرستقراطية فى مصر.. وبهذا الأسلوب المتهجم البسيط الطفلى، كانت تخرج من أشد المآزق هولا مثل الشعرة من العجين.. وذات مرة لحقت بسليمان نجيب فى النادى الأهلى، حيث كانت تجتمع شلة الأدباء والصحفيين والشعراء، وحيث كان يحلو للبعض منهم أن يقرأ الشعر على الآخرين، فينصتون إليه كما ينصت الإنسان إلى مطرب أو مغن.. كانت هذه الشلة تضم فكرى أباظة، رئيس تحرير «المصور»، والصحفى اللامع صاحب الأسلوب الشيق والكلمات البديعة والقفشات والنوادر، وكان من بينها أيضا الدكتور إبراهيم الوكيل، وكان هناك -فى ذلك اليوم الذى وقعت فيه هذه الواقعة- سليمان نجيب بطبيعة الحال. كان سليمان نجيب قد أهداها «الشوقيات» قمة الشعر المعاصر فى ذلك الوقت، وكان يطلب منها فى إلحاح أن تقرأ الشعر كثيرا، وأن تقرأه بصوت عالٍ حتى ولو أخطأت.. وعندما كانت تتمرد عليه، كان يصرخ ويسب ويلعن لها جدودها أجمعين.. وأفادها هذا كثيرًا، وحفظت من الشوقيات قصائد كثيرة، حتى انبرى أحد أفراد شلة النادى الأهلى ذات يوم لقراءة إحدى قصائد شوقى، وحتى إذا اندمج وراح يترنم بالشعر متمايلا فى لذة واندماج، وحتى إذا صمت الجميع وران عليهم ذلك السكون، الذى يحبس فيه الإنسان أنفاسه، صاحت تحية -فجأة- لتقطع حبل الاندماج: «البيت ده مش فى القصيدة دى!». كانت المفاجأة عظيمة، وكان وقعها على الجميع رهيبا، ذلك أن قارئ الشعر كان واحدا من فطاحل الأدباء وكبار المثقفين العارفين الحافظين لشعر أمير الشعراء.. ووقع قلب سليمان نجيب فى قدميه.. إن تحية -مهما كانت صداقتها للآخرين- تنتمى إليه، تدخل إلى النادى باسمه، وتجلس مع الشلة تحت جناحه، ونظر الحاضرون بعضهم إلى بعض وقد بدا الاستياء يغزو نفوسهم، غير أن تحية بروحها، الطفلة التى لا تبالى، صاحت: «تراهنى؟!». قالت باسمة، فابتسم الجميع، قالتها فى بساطة، فأحس الكل أنها لم تكن تعنى الإهانة.. وسرى الارتياح والهدوء إلى نفوس الجميع، وتعالت الضحكات عندما صاح قارئ الشعر متحديا: «أراهنك!!». ولاحقته تحية: «عشرة جنيه بعشرة جنيه!!». ووافق الرجل!

■ ■ ■ كانت الجنيهات العشرة بالنسبة إلى تحية كاريوكا فى تلك الأيام مبلغا ضخما، لم تكن تملك سوى مرتبها الهزيل الذى تتقاضاه من كازينو بديعة، وكانت حقا قد عرفت طريقها إلى استوديوهات السينما مع مجموعة من الفتيات، لتقدم وسط عشرات غيرها رقصات فى الأفلام تتقاضى عن الرقصة منها عشرة جنيهات.. لكنها كانت قد أصبحت مسؤولة عن بيت فتحته، تعيش فيه فاطمة الزهراء.. وفى حماس شديد قام أحد الحاضرين ليأتى بالشوقيات، ومضت الدقائق فى ضحك ورغى وكلام، ولكن سليمان نجيب كان وكأنه أصيب بالبكم، كان صامتا، مشفقا، خائفا.. ذلك أنه لم يكن متأكدا أن تمثاله الجميل على حق.. غير أن الدقائق تمضى، ويعود الرسول بالشوقيات، ويتجمع الكل حول الصفحات، وتجرى العيون على أبيات الشعر، وإذا تحية على حق، وإذا هذا البيت بالذات، فى قصيدة أخرى فعلا! وكسبت الرهان. وهلل الجميع وصفقوا وضحكوا، ودفع قارئ الشعر الجنيهات العشرة، لكن كل هذا لم يكن مهما بالنسبة إلى واحد منهم، فقط كان المهم أن «البنت» لم تخطئ، وكان هذا الواحد هو سليمان نجيب، الذى خرج عن صمته، واستل لسانه، وراح يطعن به قارئ الشعر فى انتصار، وكانت الفرحة طاغية.

■ ■ ■ غير أن المال بدأ يعرف طريقه إلى يد تحية، وكان أول مبلغ ضمته أصابع يدها من الملك فاروق شخصيا. كان فاروق حتى ذلك الوقت شابا لم يفصح عن حقيقته بعد.. وكانت الدعاية تحيط به من كل جانب عن أنه «الملك الصالح»!! وقد بلغ به تأثره بأسلوب الدعاية الأمريكى، أنه ترك ذقنه تطول، وراحت صحف تلك الأيام تهلل وتكبر وتحيطه بتلك الهالة التى لم تلازمه طويلا.. ذلك أنه بدأ على الفور -بعد زواجه من الملكة فريدة بسنوات- يخرج إلى الملاهى، ويطارد النساء والفتيات، حتى أصبحت سمعته كزير للنساء تفوق سمعته كملك! ولم يكن من السهل على راقصة مثل تحية كاريوكا فى ذلك الوقت أن ترقص فى حفل يحضره الملك فاروق.. كان مثل هذا الحفل تختار له أعظم العناصر الفنية وألمعها وأكبرها شأنا.. لكن لما كان سليمان نجيب هو المسؤول الحقيقى عن تلك الحفلات، فلقد قرر ذات مرة، أن يقدم تحية فى رقصة شرقية، فى حفل كان مقررًا أن يحضره الملك فاروق. وكانت سعادتها طاغية. كانت القصص والروايات التى تنسج حول هذا الملك الزوج كثيرة، وفى تلك الأيام لم تكن الخلافات بين فاروق وبين فريدة قد عرفت، ولم يكن خبرها قد انتشر.. وإذا كان الملك سوف يحضر هذا الحفل، وإذا كانت تحية سوف تقدم رقصة أمامه، فإن هذا -بالنسبة إلى فتاة فى سنها- كان أمنية الأمانى. ولقد رقصت تحية أمام فاروق، ونجحت رقصتها هذه كما نجحت كل رقصاتها.. ولم يعد يضايقها اسم كاريوكا الذى أصبح مثل «الماركة» المسجلة.. والذى -دون شك- ساعد كثيرا على انتشار اسمها، لغرابته وجمال موسيقى حروفه.

ليس هذا هو المهم فى الأمر كله. ليس مهمًّا أن ترقص تحية أمام فاروق، فلسوف تأتى الأيام التى تجلس فيها تحية مع فاروق وتجالسه، بل سوف يأتى اليوم الذى تسب فيه أباه وأمه علنا وأمام الناس، ثم تولى فى فجر اليوم التالى هاربة من مصر كلها حتى لا يلحقها أذاه.. إن المهم كله كان فى صباح اليوم التالى للحفل، عندما فوجئت بمكتب كبير الأمناء -أحمد حسن باشا- يستدعيها إلى القصر.. وهى لم تكن تملك سوى أن تلبى فى دهشة وفرح، وعندما دخلت مكتب الباشا الفاخر فى قصر عابدين، استقبلها الرجل بترحاب شديد، ودعاها إلى الجلوس. جلست تحية إلى الباشا وهى تضرب أخماسا بأسداس، ولم تكن تعرف ماذا يريد منها.. وراحت تبادله الحديث فى ابتسام وهى تسمع ثناءه عليها وعلى فنها، وكان الرجل يبدى أيضا إعجاب «مولانا» برقصها.. ثم حانت اللحظة الحاسمة، عندما أخرج الرجل من ملف أنيق شيكا بخمسين جنيها! «مولانا باعت لك دول!».

خمسون جنيها. ورقة حمراء كبيرة من تلك الأوراق التى شاهدتها كثيرا فى الكازينو، لكن يدها لم تمسها، مبلغ هائل مهول كان له فى ذلك الوقت شأن وأى شأن بالنسبة إليها.. تناولت الشيك وتبادلت مع الرجل كلمات وغادرت القصر، وكأنها فى حلم.. سارت فى الطريق لا تدرى إلى أين وماذا تفعل، لكن فرحتها كانت عظيمة.. فكرت وفكرت ثم قادتها قدماها إلى بنك مصر، حيث كان يعمل أحد الأصدقاء، دخلت على الرجل مكتبه فاستقبلها فى ترحاب ودهشة، فماذا يمكن أن يأتى بكاريوكا إلى البنك وفى أى أمر خطير؟! وما لبثت تحية أن همست إليه: «أنا معايا شيك بخمسين جنيه!».

كانت سعيدة، وأصابت سعادتها ذلك الصديق، فصاح: «حافتح لك حساب!».

وكان هذا هو أول مبلغ تودعه تحية كاريوكا فى البنك، وكانت هذه أول مرة تملك فيها مثل هذا المبلغ الكبير، وكانت أيضا المرة الأولى التى تتعامل فيها مع البنوك.. وخرجت تحية من البنك صاحبة «رصيد»، لكن رصيدها، بعد أيام معدودة، أصبح من جديد صفرًا!

التعليقات